البحث

التفاصيل

يا عيد… ما بال دقّات ساعاتك في الزّمان ثقيلة!

الرابط المختصر :

يا عيد… ما بال دقّات ساعاتك في الزّمان ثقيلة!

بقلم: أ.د. عبد الرزاق قسوم

ما بال شمسك في السَّماء ضئيلة؟ وما بال أنجم ليلك في الفضاء قليلة؟ وما بال دقّات ساعاتك في الزّمان ثقيلة؟
أغرب، بوجهك الشاحب -يا عيد – عنا، فأنت اليتيم في الأعياد، وأنت الغريب في أعين العباد، وأنت المثقل بالهموم، المجلّل بالسواد في كلّ البلاد.
ذلك هو حالنا مع عيد الفطر، عيد اختفت فيه القبلات، وغابت عنه الصلوات والجلسات، وصار النّاس خائفين من كلّ ما هو آت.
أيحدث كلّ هذا لجرم ارتكبناه؟ أو لذنب اقترفناه، فسلّط علينا الجزاء من الله الذي عصيناه، والإنسان الذي ظلمناه، والمال الذي بذرناه؟

استبد بنا الخوف من العيد -إذن – فنحن، كما يقول أحمد مطر، نتستر بالظلام من تونس حتى تطوان، ومن صنعاء إلى عمان.
لقد تراكمت، فوق رؤوسنا جحافل السحب المثقلة بالمصائب، في السّماء، فهذه قوافل الفيروسات الغازية من نابولي إلى أوهان، ومن مدريد إلى بلاد الأمريكان، ومن باريس إلى أوزبكستان، حيث انهزمت الغطرسة وسقط الصولجان، وباء الجميع بالخسران.
وهذه نيران الحروب الصديقة المستعرة بين الأشقاء العربان، فمن وهران إلى تطوان، ومن الزنتان إلى الطهران، مروراً بالسودان، ومن صنعاء إلى بغدان، ومن القيروان إلى أسوان، يأتي العيد منذرا بأعراض التوتر، والاستبداد، والتطبيع، وظلم الإنسان.
فالسجون، قد اكتظت، بالعلماء، والمفكرين، وأحرار الفكر، الذين ضاق بهم السجن، وضيّق عليهم السجّان، تحت زعم مؤامرة الإخوان.
والتقاتل بين أبناء الوطن، والأمة الواحدة، ممّا سارت بخبره الركبان.
فأي عيد إذن، هذه خصائصه، وتلك نذر شؤمه، عيد فقد سحنته، وتضيع شحنته، وعلى حد تعبير نزار قباني:
فلا قمر في سماء أريحا
ولا سمك في مياه الفرات
ولا قهوة في عدن
***
أيا وطني جعلوك مسلسل رعب
نتابع أخباره في المساء
فكيف نراك، إذا قطعوا الكهرباء
أليس من حقنا، وقد حكم علينا أن نلزم البيوت، ونلوذ بالسكوت، ونتابع من خلال الشاشة أخبار الإصابات، والوفيات بالكورونا، ومسلسلات الكرّ والفرّ، في ليبيا، واليمن، وفلسطين، وأخواتها؟
فهل كتب القتل والقتال علينا، بمباركة الأخ الذي يسلط سلاحه في القتل على أخيه، وهدم أراضيه، وترويع نسائه وبنيه؟ ولا تسأل عن الوطنية، والمبادئ الدينية، والقيم الأخلاقية والإنسانية.
وما هو المخرج؟ وكيف يكون الحلّ؟ هل نستسلم لنزوات المغامرين منا؟ وهل نرفع الراية البيضاء، أمام الفيروسات المجهرية، التي أودت بخبرائنا وبكبريائنا؟
تالله لقد أصبح اسم العرب عند أعدائنا، وأصدقائنا، عنوان سخرية وتندر، فالعدو الصهيوني، الذي كان كيانا لدودا أصبح واقعا مشهودا، وحليفا معهودا، وودا منشودا ﴿رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ﴾[سورة الأحزاب/ الآية 67].
فأي ذلّ أكثر من هذا؟ وأية نهاية أنكى من هذه؟
فهل فقدت الأمة، حكمة التدبير، وحنكة التسيير، وإرادة التغيير، وحرية التعبير؟
إنّ الأمل معقود على الجيل الصاعد، وقد جهزته، بالعلم، الجامعات، وصقلت مواهبه البحوث والدراسات، ودربت عقله، التجارب والتكنولوجيات.
هذا هو الجيل، المزود بالأمل، والمالك لأدوات العمل، والمؤتمن على إطفاء هذه الفتن؛ إنّه الجيل الذي عناه نزار قباني حين قال:
نريد جيلا غاضبا
نريد جيلا يصلح الآفاق
وينكش التاريخ من جذوره
وينكش الفكر من الأعماق
نريد جيلا قادما
مختلف الملامح
لا يغفر الأخطاء، لا يسامح
لا ينحني
لا يعرف النفاق
نريد جيلا، رائدا… عملاق
فيا قارئي العزيز !
هذه نفثات قلب مقروح، وتأملات عقل مجروح، أوحت بها، خواطر من وحي العيد، منزلة على جائحة المعاناة، محنة اللاوعي والامبالاة، وهي إن كانت خواطر مبتورة، لدواعي الضرورة، كما يقول إمامنا محمد البشير الإبراهيمي، فإنّها إِبَرٌ، وخزنا بها بعض الضمائر المكلّسة، والعقول المدنّسة، عسانا نشعل النّار من بقايا الرماد، ونفض بالحزم والعزم، على مظاهر الفساد والكساد.
نعتقد أنّه قد آن الأوان، لنستخلص من عيد كورونا الحزين، ومن الحرمان من الصلاة، والتجمعات، وكلّ الدفء العائلي المدفون، لنستخلص رسائل الخلاص مما نحن فيه.
فإن لم يوحدنا الدين الذي هو دين الوحدة والتوحيد، وإن لم تجمعنا العروبة التي هي ينبوع مجدنا التليد، وإن لم يصل وحدتنا الوطن المتسامح السعيد، فلا أقلّ من أن تنهضنا المصالح التي هي عنوان وجودنا، والمصائب التي هي مظاهر قيودنا.
عيد مبارك سعيد لأمتي، بالرغم ممّا يحمل من سلبيات، ومثبطات، فربّ ضارة نافعة، وعسى أن يكون العيد حافزا لنا، ومهمازا لضمائرنا، يوقظنا من سباتنا وغفلتنا، ليبعث بنا في رحلة جديدة نحو الحياة الحرة الكريمة، والمجتمع الوطني القوي، والإنساني الأفضل.

 


: الأوسمة



التالي
الصبر في الابتلاء والمحن
السابق
تفاصيل مروّعة عن "رحلة الموت" للروهينغيا في البحر

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع