البحث

التفاصيل

دروس من حياة الشيخ محمد أحمد حسن

دروس من حياة الشيخ محمد أحمد حسن
رحم الله الشيخ محمد أحمد حسن، وجعل مثواه جنة النعيم، ورفع روحه في عليين، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وعوَّض الأمة خيراً في فقده، فقد كان الشيخ رحمه الله مدرسة في خلقه وسلوكه، وإنني ذاكرٌ بعض ما أعرفه عنه من خلال تعدُّد لقاءاتي به وسفري معه؛ حيث أكرمني الله بصحبته لرحلات دعوية لعدد من الولايات داخل السودان، فكان مما لحظته على الشيخ وأفدته من مسيرته:

أولاً: التواضع وخفض الجناح؛ فقد كان رحمه الله عاملاً بقول ربِّنا جل جلاله في كتابه {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين} فكان يتواضع للكبير والصغير والذكر والأنثى، لا يشمخ بأنفه ولا يتيه بعلمه، بل يرى ذلك كله من نعمة الله عليه؛ وما كان يستنكف أن يراجعه من هو دونه سناً وعلما، ولربما أجاب على سؤال سائل فقال له أحدهم: السائل لا يقصد ذلك بل يقصد كذا وكذا، فيراجع الشيخ جوابه ويعدل عن رأيه، فكان جزاءه – والله حسيبه – أن رفع الله ذكره وأعلى قدره في الدنيا، ونسأله سبحانه أن يتم عليه نعمته وينزله منازل الصدِّيقين، قال بعض المفسرين: الصدِّيق هو العالم العامل.

ثانيها: حسن الخلق؛ الشيخ رحمه الله كان دائم البِشر كثير الابتسام طلْق المُحيّا، لا يلقاك إلا هاشّاً باشّا، غير عابس ولا مفنِّد، كالذهب الخالص لا تغيّره الأيام، فيه من أخلاق النبوة الشيء الكثير في زهده وأدبه وتواضعه وكرم نفسه وجوده ووفرة عقله وعظيم حيائه وحلمه وحسن عشرته وشفقته على الناس ورحمته بهم، مع احتماله الأذى، ولا زلت أذكر كيف كان يُعرض عن منتقديه ممن شرقت حلوقهم بعلوِّ كعب الشيخ رحمه الله تعالى في إيصال المعلومة للناس، حتى كتبوا في بعض الصحف يحصون عليه ما توهمّوه من أخطاء

ثالثها: الصدق والإخلاص، {ألا لله الدين الخالص} حيث كان الشيخ – والله حسيبه – من أهل هذين الخلقين الفاضلين مع دعابة ودماثة خلق؛ وما زلت أذكر حين أُنشِئت إذاعة طيبة – بجهود الطيبين من رجال الأعمال والدعاة – قال لي الشيخ رحمه الله – والله على ذلك شهيد -: إن عندي شيئاً من علم أريد بثَّه في الناس قبل أن أموت، ولا أريد في ذلك مقابلاً من مال!! فكان له رحمه الله ما أراد؛ حيث بثَّ في تلك الإذاعة – ومن بعدها القناة – علماً كثيراً طيباً مباركاً فيه، أسأل الله تعالى أن يثقِّل به ميزانه، وأن يجعله صدقة جارية له إلى يوم لقاه

رابعها: بذل الوقت في نفع الناس؛ ما كان للشيخ رحمه الله تعالى وقت يضيعه في غير فائدة؛ فهو ما بين محاضرة في جامعة أو مدرسة أو وحدة حكومية، أو موعظة في مسجد أو بيت عزاء، أو حضور عقد قران أو تشييع جنازة، وأذكر أنه إلى عهد قريب – على كبر سنه ووهْن بدنه وضعف قواه – كان يسافر إلى الولايات، هادياً ومبشراً ونذيرا، يصل الليل بالنهار في إرشاد الناس وتوعيتهم بأسلوبه السهل وعباراته الموحية، وكان للنساء نصيب موفور في تعليمه ووعظه، بل بلغ من علوِّ همته وطيب نفسه أنه رتَّب مع أخينا إبراهيم عبد الحفيظ – وفَّقه الله – رحلة دورية إلى الولاية الشمالية – لكونهم عشيرته الأقربين - يطوف فيها تلك الأرجاء معطِّراً جنباتها بطيب حديثه وغزير علمه

خامسها: البساطة في تقديم المعلومة؛ فما كان الشيخ ثرثاراً ولا متقعّراً ولا متكلفاً ولا متفيقهاً، بل قدوته رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يخاطب الناس بما يفهمون، فتارة يقول (ليس من أمبر صيام في سفر) وتارة يقول لأعرابي (حولها ندندن) ويقول لآخر (لعل ولدك نزعه عرق) وهكذا الشيخ رحمه الله كان يوصل ما يريد إيصاله من أقرب طريق وأيسر سبيل؛ عملاً بقول ربنا سبحانه {وما أنا من المتكلفين} ومع ذلك كان يخلط حديثه ببعض الحقائق العلمية عن عالم الحيوان وعالم النبات، وهو في هذا كله يصدر عن علم وفهم

سادسها: محبة الناس ليست بالمال تُشترى، ولا هي تبع للمناصب ولا الجاه، بل إذا أحبَّ الله عبداً نادى جبريل: إني أحب فلاناً فأحبَّه؛ فيحبه جبريل ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه؛ فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض؛ أحسب الشيخ – والله حسيبه – من هؤلاء، ولا زلت أذكر رجلاً من كبار السن – رحمه الله – قال لي: شيخ محمد أحمد حسن لا أفوِّت له حلقة ولا حديثا، وواللهِ لو كنتُ في الحمام فسمعت صوته أخرج لمتابعته!! {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم} وقد كان الشيخ – رحمه الله – حيثما حلَّ مرحَبّاً به محلاً للاحتفاء والاهتمام

سابعها: الإنصاف مع المخالفين؛ فما كان رحمه الله يهوى استجلاب العداوات ولا افتعال المعارك، بل كان يتناول كل شيء برفق معهود، وما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه

وبعد: فهذا غيض من فيض، وسطر من قمطر، كتبته وفاء بحق الشيخ عليَّ، وقد رأيت من بره وإحسانه وفضله ما يربو على ذلك بكثير، فاللهم لك الحمد على قضائك، وإني قائلٌ لزوجه وأولاده وأحفاده ومحبيه: إن في الله عوضاً من كل هالك، وخلفاً من كل تالف، والمصاب من حُرم الثواب.
أحسن الله العزاء، وعظم الله الأجر، وأخلف على الأمة خيرا، والحمد لله رب العالمين،،،

بقلم: د. عبدالحي يوسف

 


: الأوسمة



التالي
فزعة وصيحة لإنقاذ مرضى اليمن
السابق
أمــا آن الأوان لصنـــاعـــة فــقــه جديــد؟

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع