البحث

التفاصيل

تكافلوا تراحموا وادفعوا البلاء

الرابط المختصر :

تكافلوا تراحموا وادفعوا البلاء

بقلم: الشيخ أحمد محي الدين نصار

 

حرص الإسلام على بناء مجتمع قوي بتكاتفه، منيع بتراحمه، يستطيع بتعاونه وتآزره أن يواجه الملمات والكوارث والأزمات، والفتن والتحديات في هذه الحياة، يستمد هداه من آيات القرآن الكريم كما في قوله سبحانه: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، ومن تعاليم النبي الأمين صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا) وشبك صلى الله عليه وسلم بين أصابعه.

إن الأمر الرباني بالتعاون العام يُقصد به تشريع التكافل الاجتماعي ونشر الخير بين الناس، وإن هذا التكافل ينبعث من عقيدة الإيمان بالله التي تولّد شعورَ المرء بغيره، ويحمله ذلك على الوقوف إلى جانبه، وتغليب المصالح العامة على الخاصة، والمنافع الجماعية على الفردية، فيتراحم المجتمع ويتعاون، ويترابط أبناؤه، ويشتد بناؤه، ويقوى تماسكه، ويحققون ما أراده النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).

إن التراحم المجتمعي لا يقتصر على الشعور فقط، بل هو سلوك يقتضي بذل الخير والمعروف المعنوي والمادي لمن هو في حاجة إليه، وأن تكون محبة المرء بذل الخير والفضل لغيره كما يحبه لنفسه، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه)، والتزاماً بتوجيهه صلى الله عليه وسلم: (إن المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، يألم المؤمن لأهل الإيمان كما يألم الجسد لما في الرأس)، وبقوله صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة، فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة).

إن ثبات المسلم واستمراريته على الأخلاق العظيمة في مختلف الظروف، ومنها تنازله عن حظوظ النفس، والابتعاد عن صفات الطمع والجشع وحب الذات التي تظهر في النفوس غالباً في زمن المصائب والشدائد، وإن المحافظة على صنائع معروف البر والخير، سبب من أسباب الوقاية والحفظ من الآفات وميتة السوء، وسبب لرفع صاحبها في درجات الرضا في الدنيا والآخرة، كما قال رسول صلى الله عليه وسلم: (صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة).

لقد مدح الله سبحانه المجتمع المسلم المتكافل والمتراحم وهو في أحلك الظروف وأشد الأوقات، وذلك عندما هاجر المسلمون الأوائل إلى المدينة، وقد تركوا أموالهم وأعمالهم وتجارتهم، بسبب ظلم قريش وأعمالها العدائية ضدهم، واستقبلهم أهل المدينة بالتكافل والتراحم وبذل الخيرات، فكانوا أهل الإيمان والتقوى، قسّموا كل ما يمتلكون بينهم وبين إخوانهم المهاجرين، فخففوا العبء عنهم والشدة، فخلد الله ذكراهم، وشكر لهم صنيعهم، فقال سبحانه: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ*وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)

لقد أكد القرآن الكريم على معاني التراحم المجتمعي، فقال الله سبحانه: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا). فأمر الله بالإحسان إلى الأهل والأقرباء، والجيران والأصدقاء، والمحتاجين والضعفاء، وأكد رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه المعاني السامية بقوله: (الرَّاحمونَ يرحمُهم الرحمنُ، ارحمُوا أهلَ الأرضِ يرحمْكم مَن في السماءِ).

ما أحوجنا إلى أن نأتمر بأمر الله ونقتدي برسوله صلى الله عليه وسلم، وما أشد افتقارنا إلى التخلّق بالرحمة والتعاطف والتكافل، فيعين بعضنا بعضا على متطلبات الحياة وأعبائها في ظلّ بلاء الوباء الذي نعيش فيه ويتخبط العالم بآثاره، ويكفل بعضنا بعضاً، نواسي المستضعفين المغلوبين، وندخل السرور على المحزونين،  ونتراحم مع أهلنا وأقاربنا وجيراننا وأهل مدينتنا وأهل بلدنا، كما رغّبنا سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: (الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة)، وقوله: (يا أبا ذر: إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك). وقوله: (أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا).

لنتواصى فيما بيننا على تقوى الله عز وجل، ونحثّ بعضنا على تعزيز التراحم والتكافل المجتمعي، فالخير والتراحم مازال يحكم ترابطنا المجتمعي، وهو مبدأ أصيل في عقيدتنا وتربيتنا وتقاليدنا، يتعاون الناس مع بعضهم في إغاثة الملهوف، وتيسير أمر المحتاج وسد حاجته ومواساته، وليكن عنواننا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (على كل مسلم صدقة)، قيل: أرأيت إن لم يجد؟ قال: (يعتمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق)، قيل: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: (يعين ذا الحاجة الملهوف)، فأحسنوا العمل، وتكافلوا وتراحموا فيما بينكم، وثقوا بالله، وتضرعوا بين يديه.

اللهم ادفع عنا كل بلاء، وجنبنا كل فتنة، وثبتنا على الحق حتى نلقاك. اللهم اجعل لنا من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل عسر يسراً، ومن كل بلاء عافية، واحفظنا من شر الأشرار، وكيد الفجار، ومن شر طوارق الليل والنهار، يا رب العالمين.

 


: الأوسمة



التالي
الاتحاد ينعي الداعية الاسلامي الشيخ راشد الحقان، أحد كبار الدعوة في الكويت والعالم الإسلامي، رحمه الله
السابق
زكاة الفطر .. منافع لا جدال

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع