البحث

التفاصيل

حقوق الأخوة في الإسلام

الرابط المختصر :

حقوق الأخوة في الإسلام 
في ظل تعدد الشخصيات الاعتبارية الدولية المسلمة
بقلم: الشيخ الدكتور محمد اليافعي (عضو الاتحاد)

بنيت الحقوق والواجبات في الإسلام على رابط الأخوة في الدين بالنسبة للمسلمين، وعلى مبدأ حسن الخلق بالنسبة لغير المسلمين، وذلك بعد أن جعل الله المسلمين أمة واحدة من دون الناس، لقوله تعالى: {إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}،الأنبياء:٩2، وقاله تعالى: {وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}، المؤمنون:52، فقد قرن تأكيده على وحدة الأمة في الآية الأولى ( الأنبياء:92) بالوظيفة الرئيسية من خلق الإنسان، وهي عبادته عز وجل، لقوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، الذاريات: 56. 
وقرن في الآية الثانية (المؤمنون: 52) تأكيد وحدة الأمة بتقواه عز وجل؛ وما ورد في الآيتين الكريمتين، هو تأكيداً ربانياً على شمول شريعة الإسلام للدنيا والدين، فالعبادات هي شعائر توقيفية لله وحده، أما التقوى فهي مراقبة الله وطاعته في تطبيق ذاتي لما شرع الله تعالى من أحكام تنظم حياة المسلمين في جميع نواحي حياتهم الدنيا، وبما أن القرآن يفسر بعضه بعضاً، وهو أولى ما يفسر به، كما قال ابن كثير رحمه الله، يتجلى وضوح الشمول الرباني بالجمع بين عبادته تعالى، الوارد بقوله تعالى: (وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)،الأنبياء:٩2، وبين تطبيق شريعته، الوارد بقوله تعالى: (وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ)، المؤمنون:52، وذلك من خلال ( الآية 36 من سورة النساء، التي قرن الحقوق الواجبة على المسلمين - تجاه بعضهم البعض من جهة، وتجاه غيرهم من جهة أخرى – بحقه على عباده، وهو حقه بعبادته، وحقه بالوحدانية، بأن لا يشرك به شيئاً، بقوله تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ (سورة النساء: 36)، ذكر ابن عاشور في تفسيره، (التحرير والتنوير) في تفسير هذه الآية الكريمة، بقوله: (عطف تشريع يختصّ بالمعاملة مع ذوي القربى والضعفاء، وقُدّم له الأمرُ بعبادة الله تعالى وعدمِ الإشراك على وجه الإدماج، للاهتمام بهذا الأمر وأنّه أحقّ ما يتوخّاه المسلم، تجديداً لمعنى التوحيد في نفوس المسلمين كما قُدّم لذلك في طالع السورة بقوله: { اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة } النساء: 1).( ) 
ويتجلى ذلك أيضا من خلال الآية 177، من سورة البقرة، التي فسرت قوله تعالى (وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ)، الآية 52 من سورة المؤمنين، حيث بينت صفات المتقين، وجمعت مجموع صفات/ خصال المتقين في مصطلح قرآني واحد؛ وهو (البر)، فالمتقي هو البار، والبار هم من جمع صفات التقوى التي ذكرت هذه الآية، قال تعالى (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) 
فقد نفى الله البر عن من فرق بين (العقيدة، والشريعة، والأخلاق) روى الإمام الطبري في تفسيره عن ابن عباس قوله (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ)، يعني : الصلاة، يقول: ليس البر أن تصلوا ولا تعملوا. 
وقال ابن كثير في تفسيره: (إن من اتصف بهذه الآية، فقد دخل في عرى الإسلام كلها، وأخذ بمجامع الخير كله. 
ويستنبط مما ذكره الله تعالى في الآيات الأربع السابقة ما يلي: 
1- ثبوت وحدة الأمة الإسلامية ثبوتاً قطعياً، كشخصية اعتبارية عالمية، خاصة بالمسلمين بغض النظر عن أعراقهم وأجناسهم وأوطانهم (جنسياتهم الوطنية)، وذلك بالأدلة من الكتاب والسنة والإجماع. 
2- ثبوت الأخوة بين جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وذلك بحكم رابط الأخوة في الدين. 
3- ثبوت الاستحقاقات المادية والمعنوية، بين الأخوة في عقيدة الإسلام، ثبوتاً ملزماً ديانة وقضاء. 
لذلك نجد أن الأخوة في الإسلام ليست مجرد أخوة عاطفية فقط، - كما هي في عصرنا هذا - بل هي أخوة تستوجب آثاراً مادية مالية ملزمة، ونصرة للضعفاء واجبة، ونرى أن الأخوة قسمها الإسلام إلى ثلاثة أنواع، وهي ما ذكرها ابن عاشور بأنها: (أحكام أواصر القرابة في النسب والدين والمخالطة)، وهي وأن شملت أحكام الشريعة الإسلامية التي تحدد الحقوق والواجبات التي كلف بها المسلمون تجاه الله سبحانه وتعالى أولاً ثم تجاه عموم الناس ثانياً، إلا أنها كذلك بينت درجات الأخوة التي أقرتها أحكام الشريعة الإسلامية، والتي أجبت عليهم واجبات، وأقرت لهم حقوقاً معينة، تجاه بعضهم البعض كمسلمين، وتجاه غيرهم من الناس، ويمكن تسميتها ب (أنواع أواصر الأخوة في الشريعة الإسلامية) وهي: 
- الأخوة في النسب. 
- الأخوة في الدين. 
- الأخوة في الجوار أو المخالطة. 
فالنوعان لهما أثر مادي ملزم ديانة وقضاء، والنوع الثالث ذو أثر مادي ملزم خلقاً (ديانة) لا قضاء، ومكارم الأخلاق هي المُخرج السلوكي لما في القلب من صدق إيمان بالله تعالى، ويمكن استنباط أنواع تلك التقسيمات من قوله تعالى : 
فبعد أن أمر الله تبارك وتعالى بعبادته وحده، ونهى عن أن يشرك به أحداً من مخلوقاته، أمر بالإحسان إلى النوع الأول: وهو الأخوة في النسب بين المسلمين، وبدأ بالوالدين لعظم حقهما على الأبناء، وثنى بذوي القربي، ويضاف إليهم (الجار ذي القربى إذا أخذنا بقول علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس بأن تفسير (والجار ذي القربى) بأنه يعني الذي بينك وبينه قرابة. 
ثم ذكر النوع الثاني: وهو حق الأخوة في الدين، أي أن لهم حقوق مادية مالية بحكم رابط الأخوة في العقيدة فقط، كاليتامى والمساكين، أو في حال اجتماع رابط الأخوة في الدين والأخوة في الجوار، كالجار المسلم (اليتامى والمساكين والجار ذي القربى)؛ ورابط الأخوة في هذا النوع هو رابط الأخوة في الدين فقط، أو الأخوة في الدين والجوار – أذا أخذنا بقول أبو إسحاق عن نوف البكالي ( ) بأن تفسير (والجار ذي القربى)، أنه الجار المسلم. 

ثم ذكر النوع الثالث: وهو حق الأخوة في الجوار أو المخالطة، قال تعالى: (وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ) قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس : (والجار ذي القربى) يعني الذي بينك وبينه قرابة، (والجار الجنب) الذي ليس بينك وبينه قرابة، قال أبو إسحاق عن نوف البكالي ( ) في قوله (الجار ذي القربى) يعني المسلم (والجار الجنب) يعني اليهودي والنصراني، وقد وردت أحاديث كثيرة توصي بالجار ، منها: ما رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)( ) 
فالنوعان الأولان من رابطا الأخوة، وهما رابطا الأخوة بالنسب والأخوة في الدين، لهما مميزات تميزهما عن الأخوة في الجوار فقط. 
1- الاجبار، فالإنسان لا يختار أبويه ولا إخوته ولا عشيرته أو قبيلته. 
2- الديمومة، أي أن الإنسان لا يستطيع تبديل أبويه أو إخوته، ولا يجوز له شرعاً أن ينهي علاقته بأصوله أو فروعه، بل إنه يلزم قضاءً برعاية أصوله وفروعه مادياً ومعنوياً. 
3- السمو فو المصالح المادية، لأن الأخوة في ذواتهما وليس للمادة دور في إنشاء الأخوة فيهما، فالأخوة فيهما أرفع وأعلى من الأشياء المادية، وأن كانت الأمور المادية كالمال مثلاً، له أثر فيهما، لكنه كتابع لهما، وليس منشئاً لهما، فهو أحد الوسائل لتقوية الأخوة بين الإخوة في كل منهما. 
4- ليس للمكان ولا للزمان تأثير في تشريعهما ابتداءً، فروابطهما تخترق الزمان والمكان. 
5- أن لهما أثر مالي ملزم شرعاً_ بالإضافة إلى الآثار الأخرى كالنصرة مثلاً_ تتمثل في قسمة الميراث بين الورثة بالنسبة للإخوة في النسب، وفي فريضة الزكاة بالنسبة للإخوة في الدين، فهذه الأنصبة من الأموال ذات طابع ملزم شرعاً، أي أنها يجب أن تصل إلى أصحابها ولو بالقوة، فالشارع الحكيم لم يتركها لذمة من هي بحوزته، بل سلط عليه من يأخذها منه ولو جبراً حتى يضمن وصولها أيدي أصحابها، في كلا النوعين من الأخوة. 
6- أن ضابط الأخوة بالنسب هو القرب في النسب، وما في حكمه كالزواج الشرعي، فمال الوارث يستحقه الورثة الذين تربطهم بمورثهم رابطة النسب، الأقرب فالأقرب نسباً، وليس للمكان أو الزمان تأثير في الاستحقاق. 
7- أن ضابط الأخوة في الدين هو رابط العقيدة فقط، فمال الزكاة يستحقه المسلمون من الأصناف الثمانية المنصوص عليها بالقرآن الكريم بقوله تعال:﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾. التوبة (60)، وفق معيارين أو محددين: المحدد الأول هو الحاجة، فيبدأ بالأحوج فالأحوج، والمحدد الثاني: هو القرب المكاني، الأقرب فالأقرب جغرافيا. 
8- أن أثرها المالي ملزم قضاءً كتقسيم مال الورثة، أو ملزم بسلطة الحاكم التنفيذية كالزكاة. 
وبما أننا نعيش في زمن المؤسسات القانونية(الشخصيات الاعتبتارية)، على جميع المستويات، المحلية والإقليمية، والدولية، فيجب علينا أن نجتهد، ونضيف إلى مخرجات الفقه التراثي ما يعزز أواصر الأخوة بين المسلمين، كما اجتهد السلف في استنباط الأحكام التي نظمت وسهلت، تطبيق الواجبات والالتزامات بين الأشخاص الطبيعيين، وذلك نظراً لطبيعة الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي كانت في زمن السلف الصالح، فلم تظهر الشخصية الاعتبارية القانونية في زمنهم، بالشكل التي هي عليه في زماننا، وإنما كان يعترف بالشخصيات الاعتبارية التي تتكون بصورة طبيعية، كالقبيلة، التي تتكون طبيعياً بامتداد النسب، وكالوقف الذي يتكون دينياً، طلباً للثواب من الله تعالى. 

وهذا المقال يتحدث عن تحمل الشخصية الاعتبارية القانونية الدولية المسلمة (الدول الوطنية المسلمة، والمنظمات الدولية المسلمة كمنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية، ومجلس التعاون الخليجي ...) للتكاليف الشرعية، تجاه المسلمين أفراداً ومجتمعات وأقليات في العالم. 
وذلك بعد أن تم التأصيل الشرعي لماهية عقيدة الشخصية الاعتبارية القانونية في مقال سابق، بعنوان: (مفهوم الشخصية الاعتبارية وعقيدتها)، والذي أصل فقهيا لعقدي للشخصية الاعتبارية، وخرج بالتعريف الوصفي التالي لها " تنبثق عقيدة الشخصية الاعتبارية من عقيدة وإرادة أصحابها الطبيعيين، باعتبار وجودها وفق تشريعاتهم الملازمة لعقيدتهم" 
وبما أن جميع دول المسلمين في عصرنا هي دول وطنية – ماعدا إيران – فإن الوطن هو المحدد القانوني والجغرافي لها، أي أن الاعتراف بها كدولة كان وفق الضوابط القانونية للدول الوطنية، وليس وفق ضوابط نشوء الدول العقدية، فبعد سقوط الدولة العقدية للمسلمين (الخلافة العثمانية)، قسمت أقاليم بلاد المسلمين إما إلى أقاليم منحت لها السيادة كدول وطنية أو إلى ٌاليم ضمت إلى دول غير مسلمة؛ كدولة الهند التي ضمت عدد من الأقاليم التي تخص المسلمين ومنها كشمير، وكذلك دولة الصين التي ضمت إيها تركستان الشرقية (إيغورستان). 
والدولة الوطنية المسلمة منشأها وطني، والوطن هو المنزل الذي تقيم فيه الإنسان، وهو موطنه ومحله … ووطن بالمكان وأوطن أقام، وأوطنه اتخذه وطنا، ويسمى به المشهد من مشاهد الحرب وجمعه مواطن، وفي التنزيل العزيز: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ((سورة التوبة: 25)، وأوطنت الأرض ووطنتها واستوطنتها أي اتخذتها وطنا، وتوطين النفس على الشيء كالتمهيد. (لسان العرب لابن منظور) 
والوطنية تعبير قومي يعني حب الشخص وإخلاصه لوطنه، ويشمل ذلك الانتماء إلى الأرض والناس، والعادات والتقاليد، والفخر بالتاريخ والتفاني في خدمة الوطن، ويوحي المصطلح بالشعور بالتوحد مع الأمة.( الموسوعة العربية العالمية) 
لذلك فالقوانين هي المحدد والمنشئ للشخصيات الاعتبارية، ففي بعض الدول الوطنية التي تتعايش فيها عقائد مختلفة، يحدد القانون الأسس القانونية التي تمنح لتلك الطوائف العقدية شخصيات اعتبارية تمثل تلك المذاهب أو الأديان. 
فبعد نشوء الشخصية الاعتبارية الدولية (الدولة)، تقوم تلك الشخصية الدولية بتشريع القوانين التي تنظم الشخصيات الاعتبارية الوطنية فيها، فقد نص الدستور المصري في مادته الثانية على تحديد دين الدولة (عقيدتها) بقوله: ( الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع) وبهذه المادة اتضحت عقيدة الشخصية الاعتبارية للدولة المصرية بنص الدستور. 
وكذلك نص الدستور المغربي في فصله السادس على تحديد عقيدة الدولة كشخصية اعتبارية دولية بقوله: (الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية). 
وجاء في ديباجة الدستور القطر الدائم لسنة 2004م، ذكر دين الدولة وعقيدتها في أول الأسس التي قام عليها الدستور، بقوله: (أن الإسلام هو دين الدولة وعقيدتها، وهو المكون الأساسي لحضارتها، والمصدر الخصب الذي لا ينضب على مر العصور لتشريعاتها وقوانينها). ( ) 
وأيضاً نصت المادة الأولى من الدستور القطري على: ( قطر دولة عربية مستقلة ذات سيادة. دينها الإسلام، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي لتشريعاتها، ونظامها ديمقراطي، ولغتها الرسمية هي اللغة العربية) 
وهذا نتيجة إيمان المشرع الوطني المسلم المعبر عن إيمان الشعوب بالله رباً وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولا، وتسليماً لقوله تعالى : ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) (سورة النساء: 65)، والإيمان بأن الشريعة الإسلامية هي شريعة الناس جميعا والمهيمنة على جميع الشرائع ، فهي المرجع النهائي للبشرية، لأنها الوحيدة التي تقيم منهج الله الذي تقوم عليه الحياة في شتى شعبها، وتستمد منها تصورها الاعتقادي ونظامها الاجتماعي وآداب سلوكها الفردي والجماعي، حتى يرث الله الأرض ومن عليها.( ) 
لذلك فالدساتير هي التي تعبر عن ماهية الشخصيات الاعتبارية للدول من حيث نظام حكمها وعقيدتها وانتمائها الإقليمي. 
وبعد تناولنا في مقال سابق بعنوان:(تلازم العلاقة بين العقيدة والشريعة في الإسلام) أثر تلازم العلاقة بين العقيدة والتشريع، يلزمنا أن نوضح 
وبما أن القول يصدقه العمل، فقد انعكس هذا التوجه الإيماني في الواقع العملي من خلال ما تقوم به بعض الدول الوطنية المسلمة، كدولة قطر، ودولة الكويت - وعدد من الدول لا يسع المجال لحصرها- من نصرة الإسلام والمسلمين سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، فذلك من الواجبات الشرعية الملزمة بحكم حق الأخوة في الدين بالنسبة للمسلمين، فهم أشقاء في الدين، وحتى بالنسبة لغير المسلمين، فلهم من الفرائض المادية المالية على المسلمين، نصيب المؤلفة قلوبهم في الزكاة، ولهم حقوق تعد من الواجبات الأخلاقية التي حث عليها الإسلام، كحق الجوار، علماً أن منزلة الأخلاق في الإسلام هي منزلة رفيعة جداً، فهي مرتبطة بالإيمان، حيث يوجد تلازم لا ينفك بين الإيمان والأخلاق، كالتلازم الذي لا ينفك بين العقيدة والشريعة، أو حق، وحتى الصدقات، فالصدقة على غير المسلمين جائزة إذا كانوا ليس حربًا لنا، لقول الله): لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ(، الممتحنة:8، ولما ثبت في الصحيحين عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما: «أن أمها وردت عليها في وقت صلح الحديبية حين صالح النبي أهل مكة وفدت عليها في المدينة تطلب الرفد منها، فقالت أسماء: يا رسول الله: هل أصلها؟ قال النبي: صليها، فأمرها أن تصل أمها وهي كافرة. 
———-
الكاتب: الشيخ د. محمد بن سالم آل اليافعي، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين- مدير فرع قطر.

المصدر: اليافعي، محمد بن سالم، رسالة دكتوراه" الصندوق العالمي للزكاة، أسسه العقدية وآثاره الاقتصادية" جامعة محمد الخامس الرباط 2018م.


: الأوسمة



التالي
بلغوا عني ولو اية (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ)
السابق
فتوى: صيام شهر رمضان وصلاة التراويح في ظل كورونا

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع