البحث

التفاصيل

(اللهم إنّي أعوذ بك من البرص والجنون والجذام..)

الرابط المختصر :

(اللهم إنّي أعوذ بك من البرص والجنون والجذام..)
"د. حسن يشو (عضو الاتحاد)

نص الحديث:

عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم إنِّي أعوذُ بك من البَرَصِ والجنونِ والجُذامِ، ومن سَيِّئِ الأسقامِ"1. وفي رواية: "وسائر الأسقام"2.
بين يدي الحديث:
• إن هذا الحديث صحيح في متنه وسنده؛ إذ أخرجه الجلّةُ من أعلام السنة المطهرة، الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، والطبراني، وابن حبان، والحاكم، والسيوطي، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، وصحيح الجامع، وتخريج مشكاة المصابيح، وشعيب الأرناؤوط في تخريج شرح السنة، والوادعي في الصحيح المسند، وغيرهم ولله الحمد والمنة.
• وهو حديث يناسب الأوضاع التي تمر بها أمتنا وعالمنا وعصرنا على إثر جائحة الكورونا التي اجتاحت الأرض برمتها، علمًا أن الذي يصيب بعدواها هو الله تعالى، فهو خالق الداء وخالق الدواء، فناسب الالتحاد بجنابه العالي، والاعتصام ببابه، من أجل أن يخلصنا من العدوى والجائحة والأوبئة الفتاكة ونظائرها كالبرص والجذام، والجنون، وسيء الأسقام وسائرها بلا استثناء.
• الالتِجاءُ إلى اللهِ في كلِّ الأحوالِ في الرخاء والشدة: أمرٌ مِن صَميمِ الإيمانِ؛ لأن الله هو القادِرُ على كلِّ شيءٍ، وقدرته مطلقة، وهو القادر أن يُجير ويَحْمي مِن كلِّ سوءٍ، لأن بيده ملكوت السماوات والأرض ومفاتيحها، وقد كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم يأمرُ أمَّتَه بالاستعاذةِ باللهِ مِن أمورٍ كثيرةٍ، ومِنها الأمراضُ المذكورة كالبرص والجنون والجذام ومنها الأمراض غير المذكورة والتي تدخل في سائر الأسقام وسيّئها.
• قال الله تعالى: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) [الرعد: 11]، وروى عكرمة عن ابن عباس قال: (يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، فإذا جاء قدر الله خلوا عنه. وقال مجاهد: "ما من عبد إلا له مَلَكٌ موكل، يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام، فما منها شيء يأتيه يريده، إلا قال الملك: وراءك، إلا شيء يأذن الله فيه فيصيبه"3. فاللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا.
• وما سردته من حديث تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الأمراض حتى لا تصيب أحدًا، وأما إن أصابت أحدًا، فعليه بالصبر والرضا واحتساب الأجر عند الله؛ فهو مثاب لا محالة عن كل تعب ونصب وشوكة يشاكها، فما بالك بأمراض معدية وفتاكة!؟ عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما يُصيبُ المَرءَ المُسلِمَ من نَصَبٍ، ولا وَصَبٍ، ولا هَمٍّ، ولا حَزَنٍ، ولا غَمٍّ، ولا أَذًى حتى الشَّوكةُ يُشاكُها، إلَّا كفَّر اللهُ عزَّ وجلَّ عنه بها من خَطاياه"4.
• وأن من بلغ الأذى والمرض منه مبلغا لا يطيقه لا يتمنى الموت ولا يسب الدهر، وإنما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم ما نقوله كما في حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَتمنَّيَنَّ أَحَدُكمُ الموتَ لضُرٍّ نزَلَ به، ولكنْ لِيقُلِ: اللَّهُمَّ أَحْيِني ما كانتِ الحياةُ خَيرًا لي، وتَوفَّني إذا كانتِ الوَفاةُ خَيرًا لي"5.
أولا: (اللهم إنِّي أعوذُ بك من البَرَصِ):
البَرَصُ: داءٌ معروف؛ وهو بياض يقع في الجسد؛ فيتغير بسببه الشكل والصورة، أو هُو: بَياضٌ يَظهَرُ على الجلدِ كبُقَعٍ ثمَّ يَنتشِرُ في باقي الجلدِ حتَّى يَعُمَّه ويستحوذ عليه؛ بسبَبِ انحِباسِ الدَّمِ عن الجلدِ، مع ما فيه مِن إضعافِ الجلدِ، واستِقْذارِ النَّاسِ له؛ فيَكونُ سببًا للتَّعبِ النَّفسيِّ للمريضِ ومن حوله!
وتعريفه الطبي: عبارة عن مرض وراثي يتمثل في انخفاض إنتاج أو غياب صبغة الميلانين (Melanin) كليًا، وهي الصبغة التي تعطي البشرة والشعر والعينين اللون الخاص بهم. والأصل في صبغة (الميلانين) أنها تعمل على حماية الجلد من الضرر الناتج عن الأشعة تحت البنفسجية. وبالتالي فإن الأشخاص الذين يعانون من البرص ونقص في مستويات هذه الصبغة يكونون أكثر تأثرًا بأشعة الشمس، الأمر الذي يرفع من خطر إصابتهم بسرطان الجلد.
وله أعراض أغلبها تظهر على البشرة وجلد المصاب فيصبح لونه أبيض، وكذا في لون الشعر يتحول إلى أبيض أو بني، ويتغير لون العين، وكذا تضعف الرؤية. ولحد الآن لا يوجد له علاج ناجع، وكل ما في الأمر التخفيف من انتشاره، وأعراضه، ولا سيما للوقاية من الإصابة بالعمى.
وقد يصير البرص والرجل الأبرص أحيانا في وضع منفر، وحالة يرثى لها، يحزن الناظرين، ويجعل مشاعرهم متقززة ومشمئزة، ولا سيما في بعض صوره التي تجعل الجسم كالأفعى الرقطاء، فالأقربون لا يحتملون المجالسة خوف العدوى، بله الاحتكاك، فيورث الإنسان العزلة التي قد تؤدي به إلى التسخط والعياذ بالله.
وفي أنواعه خطورة على المصاب؛ بحيث تكون قابليّة الجسم للعدوى بشكل كبير، وفقر الدم، وتضخم الكبد، كما أنه يصاحبه مشاكل في النزيف وكثرة الكدمات، والإصابة بسرطان الرئة، وأمراض الأمعاء.
وهذا الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من البرص بكل أنواعه وأعراضه وأسبابه.
ثانيا: (اللهم إني أعوذ بك.. من الجنونِ):
الجنون: من مادة (جنن) أو (جنّ) أي استتر، ويُقال جنّ الليل أي استتر، والجنون زوال العقل أو فسادٌ به.
والجنون: هو استتار العقل وزواله، وهو على درجات؛ علمًا أن العقل مظنة التكليف، وبه يعبد العبد ربه على بصيرة، وبه يتدبر آياته المقروءة، ويتفكر في خلائق الله المنظورة، ففي ذهاب العقل ذهاب الجزء العظيم في الإنسان، إذ لا معنى لإنسانيته بدون عقل، حتى عرف بالحيوان الناطق، أي العاقل المفكر، وعلم المنطق يعنى بالتفكير السليم، وأن المجنون مرفوع عنه القلم، وأن الناس ينفرون منه؛ لأن تصرفاته تجري على غير قصد أو حكمة أو منطق، فيتصور من المجنون كل شيء، إذ يكفي أن يناط التكليف بالعقل، وأن يرفع بالجنون، فيصير المتخبط في جنونه كالصبي، لا يعقل، فيضحك وقت البكاء، ويبكي وقت الضحك، ويتكشف، ويركض، ويضرب، ويقضي حاجة في ثوبه، وينام على الأرض، ويسرق، ويفعل أي شيء يمكن أن يتخيله المرء، أو يدور بخلده. فشيء طبيعي أن يستعيذ منه النبي صلى الله عليه وسلم.
والجنون طبيًّا6 هو اضطراب في بنيه الدماغ ووظائفه؛ يؤدى إلى  اختلال إما كلي أو جزئي، دائم أو مؤقت، في الوظائف والمقدرات العقلية  كالإدراك والتذكر والتخيل؛ نتيجة لعوامل فسيولوجية أو وراثية؛ ويلزم منه -معرفيا- اختلال في المقدرة على التمييز، -وسلوكيا- اختلال التحكم في الإرادة.
هذا، وقد حدد الطب النفسي الاضطرابات العقلية التي تندرج تحت هذا المفهوم العلمي وتشمل: الذهان، الصرع، والهستيريا، والوسواس الجنوني، ازدواج الشخصية أو انفصام الشخصية (الشيزوفرينيا) إلخ.
والجنون إذًا هو اختلال القوة المميزة بين الأمور الحسنة والقبيحة، المدركة للعواقب؛ وذلك بأن لا تظهر آثارها وتتعطّل أفعالها. ثم إن الجنون قسمان هما:
الأول: جنون أصلي: وهو الجنون المستمر أو المطبق، ويكون موجودًا في أصل خلقة الإنسان، حيث يستوعب جميع أوقات المريض، وبدون أن تتخلله نوبة انقطاع.
الثاني: جنون عارض: وهو الجنون المتقطع، إذ يولد الإنسان بعقل سليم، ثم تطرأ عليه آفة ما؛ فتؤدي إلى زوال العقل لفترات مؤقته.
ولنعرف مدى مقصدية الاستعاذة بالله من الجنون؛ فنتأمل علاماته:
1- علامات الجنون الابتعاد عن الاختلاط بالناس وحب العزلة.
2-  الوسوسة وسماع الأصوات الغريبة ورؤية أشياء وهميةٍ.
3-  فقدان الشعور بالمسؤولية.
4-  فقدان الاهتمام بالنظافة الشخصية، والملابس والهيئة العامة.
5-  فقدان القدرة على التركيز وفهم الآخرين. 
6- الشعور بالخوف، والاضطهاد، والظلم والحسد.
7-  المغالاة والغرور، والانتساب إلى الشخصيات العظيمة. 
8- الشعور بالحزن الشديد تارةً، والشعور بالفرح الشديد تارةً أخرى، وتكون هذه المشاعر متعاقبةً ودون سببٍ واضحٍ.
9-  الشعور بحالاتٍ من النشاط غير الاعتيادي بشكلٍ مستمرٍ. 
10- التكلّم بطريقةٍ غير طبيعيةٍ وغير واقعيةٍ، حيث يكون في مواضيع غير مترابطةٍ وقد يكون تارةً صراخًا شديدًا وتارةً أخرى بانفعالٍ.
11-  الضحك الكثير بصوتٍ عالٍ.
12-  العدوانية وتحطيم الأشياء.
عافاني الله وإياكم من الجنون بكل أنواعه وأعراضه وعلاماته؛ وهنا ندرك السر لماذا كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله منه!
ثالثا: (اللهم إني أعوذ بك.. من الجذام):
 الجذام: مرض تتآكل منه الأعضاء حتى تتساقط والعياذ بالله، وهو علة تسقط الشعر، وتفتت اللحم، وتجري الصديد بشكل مريع؛ مما ينفر الناس منه لبشاعته وفظاعته.
وطبّيًا هو: مرض جلدي مُعد، يؤدي إلى تقرحات جلدية شديدة تتفاقم؛ لتتسبب تلف في الأعصاب.
 ويكفي أن يكون معديًا خطيرا بالتماس والاحتكاك والمجالسة؛ فيصبح المجذوم في وضعية بئيسة مزرية ينفر منه الأقربون فضلا عن الغير والناس جميعا. 
وإن المريض المصاب بالجذام إذا لم يحصل على العلاج المناسب لمرضه، يصبح طبيًا مهددا بالإصابة بالتلف الأشد، الذي قد يصل إلى:
- العمى أو الجلوكوما.
- تشوه الوجه غير القابل للإصلاح.
- ضعف الانتصاب والعقم لدى الرجال.
- الفشل الكلوي.
- ضعف العضلات حتى يمنع ثني اليدين والقدمين.
- تلف دائم داخل الأنف، ما قد يؤدي لانسداد مزمن به ونزف.
- تلف دائم للأعصاب الطرفية حيث يصبح المريض غير قادر على الشعور بأطرافه بتاتا ما يؤدي لإيذاء نفسه سواء بالحروق، الجروح وحتى بتر الأطراف.
ونسأل الله أن يعافينا من الجذام وأنواعه الفتاكة والمعدية؛ ومنها:
 الجذام الدرني أو الجذام السلي (Tuberculoid leprosy): ينعكس على شكل بقعة أو بضع بقع تصيب الجلد، حيث يكون لونها شاحبًا ويصبح الجلد على شكل القشريات؛ فإنه يصيب التلف الأعصاب تحت الجلد.
ومنها الجذام الورمي (lepromatous leprosy): وهو أكثر حدة، إذ ينتشر على مناطق واسعة من الجلد والطفح الجلدي، يرافقه شعور شديد بالخدر وضعف العضلات؛ وعند تفاقمه يستهدف الأنف، والكلى والجهاز التناسلي الذكري وهو أقوى من حيث انتقال العدوى من المريض.
والجذام الحدي (borderline leprosy): حيث يعاني المصاب بهذا النوع من الجذام من أعراض الجذامين السابقين والله المستعان!
والحالة هذه شيء طبيعي –وهي من حكمة السنة النبوية- أن يستعيذ منه النبي صلى الله عليه وسلم. وقد أمَر النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالفِرارِ مِنه كما يَفِرُّ الرَّجُلُ مِن الأسَدِ؛ فقال صلى الله عليه وسلم: "فرّ من المجذوم فرارك من الأسد"7. وقوله: "لا يورد الممرض على المصح"8.
 رابعا: (اللهم إني أعوذ بك.. من سَيِّئِ الأسقامِ):
 سيئ الأسقام: إشارة إلى كل الأمراض القبيحة الرديئة، والمعدية المنفرة، والتي تترك أثرا سلبيا على صاحبه، ومن يقترب منه، وأقاربه وأصحابه، وجيرته ومن مر عليه، ومن تلكم الأمراض الخطيرة الرديئة: الفالج، والسل، والأمراض المزمنة، مع اختلاف أنواعها، وكأمراض هذا الزمان مثل: السرطان، والإيدز، وغير ذلك، ومن باب أولى جائحة الكورونا والعياذ باللَّه، ولم يستعذ صلى الله عليه وسلم من كل الأمراض؛ لأن منها ما إذا تحامل عليها العبد على نفسه بالصبر خفّت مؤنته كالحمى، والصداع، والرمد، أما تلك الأمراض المزمنة؛ فإن العبد قد لا يؤمن عليه السخط، والوقوع في الأمور غير المحمودة، في أمور دينه، ويفرّ منه الصديق، والحميم، والأنيس، والمداوي.
 والاستعاذة (من سيئ الأسقام): مع دخول الثلاثة (البرص، والجنون، والجذام) فيها هو من عطف العام على الخاص؛ لكونها أبغض شيء إلى العرب، لما تفسد هذه الأمراض الخلقة، وتورث الآفات والعاهات؛ ولذا عدّوا من شروط الرسالة: السلامة ممّا ينفر منه الخَلْق ويشوِّه الخُلُق9. 
ومن أنواع الأسقام السيئة، والأمراض الخبيثة: مرض السرطان ويسمى المرض الخبيث؛ ومن أعراض أخطر أنواع السرطان: سرطان الرئة، سرطان الأمعاء، سرطان البروستاتا والثدي، سرطان البنكرياس، سرطان المريء، سرطان الكبد، سرطان المثانة، وسرطان الدماغ.
ومن سيء الأسقام السكري، والضغط، ونقص المناعة المكتسبة، وأمراض تصيب المعدة، والأمعاء، والقولون، والمثانة، والجهاز التناسلي، والقلب، والرئتين، والكليتين، والأذنين، والعينين، والعظام وهشاشته، والجهاز العصبي، والأنيميا وفقر الدم، والأنف والحنجرة، والمريء والقصبة الهوائية، والأسنان والأضراس، والشرايين.. إلخ.
وأمراض فيروسية حديثة، فيروس الإيبولا حيث تصل نسبة الوفاة إلى حوالي 90%، وفيروس الإيدز حيث تصل نسبة الوفاة دون علاج إلى حوالي 80%، ومرض جنون البقر: حيث تصل نسبة الوفاة إلى 100%، وفيروس السارس، وفيروس الكورونا الفتاك الذي يستهدف الرئتين فيتفجر ويموت صاحب العدوى به.. إلخ.
فسيء الأسقام هي كل العاهات التي يصير المرء بها مُهانًا بين الناس، تنفرُ عنه الطباع، كالشلل والعمى والسرطان، ونحو ذلك؛ لأنها أمراض شديدة تحتاج إلى كلفة مالية، وصبر قوي لا يتحمله إلا من صبره الله -تعالى- وربط على قلبه. وهنا تظهر عظمة هذا الدين الذي يحافظ ويرعى بدن المسلم ودينه، وبقية الكليات الخمس من دين ونفس وعقل ونسل ومال.
ما السر في التعوذ من سيّء الأسقام؟
والسر من هذه الاستعاذة أصلا هي: خشية ضعف الطاقة عن الصبر والوقوع في الضجر فيفوت الأجر، ولكونها مفسدة للخِلقة والخلق، ومنفرة للناس من المصاب وهذا لا يحتمله العقلاء الألباء وأمر فطروا عليه.
ثم إن تعوُّذ النبي -صلى الله عليه وسلم- من سيئ الأمراض، وأخبث الأورام، وأخس الأمراض، وخصوصا المعدية والفتاكة، والتي تظهر في صورة بشعة ومنفرة؛ فإنه يدخل فيه ما يعرف بالأمراض المستعصية الآن كالسرطان، فتكون مثل هذه الأحاديث مشجعة على التداوي، والحجر الصحي، ومتابعة العلاج؛ نظرا لأثرها في الصحة الوقائية.
لماذا لم يتعوذ من الأسقام كلها؟
لم يستعذ النبي -صلى الله عليه وسلم- من جميع الأمراض؛ لأن الأمراض مطهرة للآثام مع الصبر عليها، ولا يخلو منها العباد، بل أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل.
قَالَ الطِّيبِيُّ : "وَإِنَّمَا لَمْ يَتَعَوَّذْ مِنْ الْأَسْقَام مُطْلَقًا فَإِنَّ بَعْضَهَا مِمَّا يَخِفُّ مُؤْنَته وَتَكْثُرُ مَثُوبَتُهُ عِنْدَ الصَّبْر عَلَيْهِ مَعَ عَدَم إِزْمَانه كَالْحُمَّى وَالصُّدَاع وَالرَّمَد، وَإِنَّمَا اِسْتَعَاذَ مِنْ السَّقَم الْمُزْمِن فَيَنْتَهِي بِصَاحِبِهِ إِلَى حَالَة يَفِرُّ مِنْهَا الْحَمِيم وَيَقِلُّ دُونهَا الْمُؤَانِس وَالْمُدَاوِي مَعَ مَا يُورِثُ مِنْ الشَّيْن"10.
دعوة ذي النون:
دعا سيدنا ذو النون عليه السلام عند الكرب؛ فقال الله عز وجل: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) [الأنبياء: 87- 88]، وعن سعد رضي الله عنه قال: "كنا جلوسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ألا أخبركم بشيء إذا نزل برجل منكم كرب، أو بلاء من بلايا الدنيا دعا به، يفرج عنه؟ فقيل له: بلى، فقال: دعاء ذي النون: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين"11، وفي رواية الترمذي ولفظه: "دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدعُ بها رجل مسلم في شيء قطُّ إلا استجاب الله له"12.
التعوذ من مصائب وآفات أخرى:
قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَعُ هَؤُلاءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي"13.
عن كعب بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللهمَّ إنِّي أعوذُ بك من التردِّي والهدْمِ والغرقِ والحرقِ، وأعوذُ بك أن يتَخبطَني الشيطانُ عند الموتِ، وأعوذُ بك أن أموتَ في سبيلِك مُدْبرًا، وأعوذُ بك أن أموتَ لديغًا"14.
وعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقولُ: "اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُوعِ، فإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجيعُ، وَأَعُوذُ بِكَ منَ الخِيانَةِ، فَإِنَّهَا بئْسَتِ البِطانَةُ"15.
عن أبي هُرَيرة رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْفَقْرِ، وَالْقِلَّةِ، وَالذِّلَّةِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ"16.
وعَن شكَلِ بنِ حُمَيْدٍ رضي الله عنه قَال: قُلْتُ يَا رَسولَ اللَّهِ: عَلِّمْني دُعاءً. قَالَ: قُلْ: "اللَّهُمَّ إِني أعوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي، وَمِن شَرِّ بصَرِي، وَمِن شَرِّ لسَاني، وَمِن شَرِّ قَلبي، وَمِن شَرِّ منِيِّي"17. 
وعَن زيادِ بْن عِلاقَةَ عن عمِّه، وَهُوَ قُطبَةُ بنُ مالِكٍ، رضي الله عنه، قَال: كَانَ النَّبيُّ ﷺ يقُولُ: "اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن منْكَرَاتِ الأَخلاقِ، والأعْمَالِ والأَهْواءِ"18.
عن أبي هريرة أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يقولُ: "اللهمَّ إنِّي أعوذُ بك مِنَ الصَّمَمِ والبَكَمِ وأعوذُ بك مِنَ المأثَمِ والمَغْرَمِ وأعوذُ بك مِنَ الفم يعني الغَرقَ وأعوذُ بك مِنَ الهَمِّ"19.
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُمْسِيَ"20.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَقِيتُ مِنْ عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي الْبَارِحَةَ، قَالَ: "أَمَا لَوْ قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ تَضُرَّكَ"21.
             وكتبه: د. أبو نوفل حسن يشو –لطف الله به وبكم-
             قسم الفقه والأصول بكلية الشريعة/ جامعة قطر
                  عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
                                   الدوحة
___________
الهوامش:
1- أخرجه أبو داود في أبواب الوتر، باب في الاستعاذة، برقم (1554)، والنسائي في كتاب الاستعاذة، باب الاستعاذة من الجنون، برقم (5493)، والنسائي برقم (5493)، والطيالسي، (268)، وأحمد في المسند: 20/ 309، برقم (13004)، وابن حبان في صحيحه: 3/ 295، برقم (1017)، والحاكم: 1/ 712، والضياء في المختارة: 6/ 340، وأبو يعلى: 5/ 277، برقم (2897)، والطبراني في الصغير: 1/198، وصححه الألباني في صحيح أبي داود: 5/ 276، وفي صحيح الجامع الصغير برقم (1281)..
2- ونصها: " اللهمَّ إني أعوذُ بك من البرصِ والجنونِ والجذامِ وسائرِ الأسقامِ" انظر الكامل في الضعفاء لابن عدي: 3/ 57.
3- انظر تفسير ابن كثير: 4/ 438.
4- أخرجه البخاري برقم (5641)، ومسلم برقم (2573)، والترمذي برقم (966)، وأحمد برقم (11141).
5- أخرجه البخاري برقم (5671)، ومسلم برقم (2680)، وأبو داود برقم (3109)، والترمذي معلقًا بعد حديث (970)، والنسائي برقم (1820)، وابن ماجه برقم (4265)، وأحمد برقم (12015).
6- انظر مقال (الجنون بين المفهومين الدارج والعلمي) الموقع الرسمي للدكتور صبري محمد خليل خيري، وانظر (ما هي علامات الجنون؟) https://mawdoo3.com
7- أخرجه البخاري برقم (5707)، وأحمد برقم (9722).
8- أخرجه البخاري برقم (5717، 5774)، ومسلم برقم (2220، 2221)، وأبو داود برقم (3911)، والنسائي في السنن الكبرى برقم (7591)، وابن ماجه برقم (3541)، وأحمد برقم (9612).
9- انظر فيض القدير للمناوي: 2/ 122، 3/ 150.
10- نقله العظيم آبادي في عون المعبود.
11- أخرجه الحاكم برقم (1864)، وصححه الألباني في الصحيحة برقم (1744).
12- أخرجه الترمذي برقم (3505)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
13- أخرجه أبو داود برقم (5074)، والنسائي برقم (5530)، وابن ماجه برقم (3871)، وأحمد برقم (4785).
14- أخرجه أبو داود برقم (1552)، والنسائي برقم (5531)، وأحمد برقم (15563)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1282).
15- أخرجه أبو داود برقم (1547)، والنسائي برقم (5468)، وابن ماجه برقم (3354).
16- أخرجه أبو داود برقم (1544)، وصحَّحه الألباني.
17- أخرجه أبو داود برقم (1551)، والترمذي برقم (3492)، والنسائي برقم (5444)، وأحمد برقم (15580)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (4399).
18- أخرجه الترمذي برقم (3591)، وابن حبان برقم (960)، والطبراني: 19 /19، برقم (36).
19- أخرجه الحارث في مسنده برقم (1059)، والبزار برقم (8534)، والطبراني في الدعاء برقم (1360)، مجمع الزوائد: 10/ 191، وإتحاف الخيرة المهرة: 6/ 510.
20- قالَ: فأصابَ أبانَ بنَ عثمانَ، الفالجُ، فجعلَ الرَّجلُ الَّذي سمعَ منهُ الحديثَ ينظرُ إليهِ، فقالَ لَهُ: ما لَكَ تنظرُ إليَّ؟ فواللَّهِ ما كذَبتُ على عُثمانَ ولا كذَبَ عثمانُ على النَّبيِّ صلَّى اللَّه عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ ولَكِنَّ اليومَ الَّذي أصابَني فيهِ ما أصابَني غَضِبْتُ فنَسيتُ أن أقولَها". أخرجه أبو داود برقم (5088)، والترمذي برقم (3388)، والنسائي في السنن الكبرى برقم (9843)، وابن ماجه برقم (3869)، وأحمد برقم (446).
21- أخرجه مسلم برقم (2709)، وأحمد برقم (8867)، والنسائي في السنن الكبرى برقم (10421)، وابن خزيمة في التوحيد: 1/ 401.

 


: الأوسمة



التالي
أخلاق الأزمة الصعبة في الإسلام
السابق
المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث يدعو المسلمين إلى التراحم والتعاون في أوقات الأزمات والشدائد

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع