البحث

التفاصيل

السفينة والطوفان (2)

الرابط المختصر :

أ د ليلى محمد بلخير (عضو الاتحاد)

السفينة والطوفان (2)

 

صنع نوح عليه السلام السفينة بأمر الله لتسير قافلة الإيمان؛ لأن الإيمان مولد التغيير والحركة من الوجدان إلى المكان، ولهذا لم يستطع نوح إقناع ابنه بالركوب، لأن للسفينة قانونا يجري على الكل، لا توجد محسوبية، ولا مجاملة في شأن العقيدة، يركب المؤمن لسلامة معيار الإيمان، ويستبعد الكافر، فلا تهم سلطته ونفوذه، أما ما نراه الآن من رغبة في خلخلة المعايير، ومسح الخصوصيات بالتحايل والغش والتدليس، التآمر على العالم وإسقاطه، وتفخيم الجاهل، واركابه غير محله بكم المناصب والرتب والجوائز والتكريمات، فهو جرم غير مشهود وفضيحة كبرى، في الآية الكريمة تبرز عاطفة الأبوة قوية، في صورتها الطبيعية؛ لأن نوحا عليه السلام الأب ينشد في بذرته الصلاح لآخر لحظة وآخر رمق؛ إنها عاطفة مختلفة في لونها عن عاطفة الأمومة، وهي مهمة لإحلال التوازن داخل الأسرة.

وهذا ما جاء في سورة هود {ونادى نوح ابنه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين} هود42، وتتجلى ملامح شخصية نوح عليه السلام في مناشدته الله لإنقاذ ابنه من الهلاك، تغمره عاطفة الأب، لا يرغب في رؤية ابنه تطويه الأمواج عاصيا لله، وتحرص القصة القرآنية على عرض شخصية النبي الكريم على سجيتها، تجسد لهفة الأب وجزعه الشديد في الإلحاح على ابنه -ركوب سفينة النجاة- في إشفاق بالغ {ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولاتكن مع الكافرين} هود42. ينكشف من ثنايا حروف الآيات الكريمات لوعة الأب، الذي كابد السنين الطوال في الدعوة إلى الله صلبا جلدا في وجه المكابرين، يكاد يتفطر حزنا على مصير ابنه الهالك، يناديه بشفقة بالغة (اركب معنا)، فيكون الرد الرباني الصارم {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}هود 46، ومن هذا الموقف الإنساني المؤثر يتعلم نوح عليه السلام الدرس القيم، الذي يورثه لعقبه من كبده، هو درس لنا جميعا صالح لكل الأزمان ، سيادة رحم العقيدة، ونقض غيره من الأرحام، إن داخلها كفر، وكما تظهر قسمات الألم والحسرة على نوح عليه السلام، تسفر أيضا تجليات الرضى والتسليم.

لماذا لم يتأسف على زوجته، ولم تأخذه الشفقة على غرقها؟ إنها بالنسبة إليه من الأعداء الفرقاء لما بذلته من صدود وأذى للدعوة، لقد كره منها الخيانة للعقيدة، هي زوجة كافرة في بيت الإيمان وجودها في السفينة نشاز للحن الجميل المتناغم، ولا مكان للحب مع الكفر، ولا مكان للكفر داخل السفينة {ضرب الله مثلا للذين كفرو امرأت نوح وامرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا، وقيل ادخلا النار مع الداخلين} التحريم 10، من يركب السفينة؟

يتبع..

هذا المقال ضمن سلسلة مقالات حول "القرآن والحياة".


: الأوسمة



التالي
من حقائق القرآن
السابق
العدل في كتاب الله

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع