🔥 الهند تحترق 🔥
المظاهرات ضد قانون التجنيس الجائر
بقلم الدكتور/ محمد علي الندوي
أستاذ الفقه والحديث بجامعة ندوة العلماء
أستاذ كلية الشريعة بجامعة القصيم سابقاً
من لا يعرف الهند؟ بلد الحضارات والديانات واللغات! وقد اتفقت كلمة المؤرخين على أن أحط أدوارها ديانة وخلقا واجتماعاً ذلك العهد الذين يسبق ظهور الإسلام، وكان لها النصيب الأوفر من الظلام الذي مد رواقه على المعمورة. ولما دخلها الإسلام وحكمها المسلمون ثمانية قرون شيدوا خلالها حضارة راقية، وعاشوا فيها متسامحين مع أصحاب الديانات الأخرى، وضربوا أروع الأمثلة للحب والسلام، وسماحة الإسلام، والود والوئام.
ولما تسلط الاستعمار على الهند هب المسلمون يقدمون مهجهم وأرواحهم ودماءهم لتخليصها من براثن الاستعمار الغاشم؛ حتى امتلأت بهم السجون والمعتقلات، واصطبغت الشوارع بالدماء، وليست شجرة (من دلهي إلى بشاور) إلا وعليها جثث الشهداء.
أما الهنادك فقد تأخر التحاقهم بهم ليتعاونوا في الكفاح لنيل الحرية.
🌍 جمهورية أم دولة هندوسية:
ولما نالت البلاد حريتها نادت طوائف متطرفة من الهندوس ممن لم يكن لها أي يد في تحرير البلاد، بل عرفت بمسالمتها للاستعمار بل بمساندتها؛ كمنظمة آر إس إس (RSS)، وجناحها السياسي: حزب بهارتيا جنتا (الحاكم حالياً)، نادت بجعل الهندوس بلدة هندوسية تحكمها القوانين والطقوس الهندوسية المبنية على تعدد الآلهة والوثنية من جهة، وعلى النظام الطبقي الجائر من جهة أخرى، وهذا النظام الطبقي يمنح للبراهمة قداسة وسمواً، وتجعل مهمتهم القيادة، ومن عداهم تبعاً لهم وخدماً، ومنهم الطبقة المنبوذة المسمى بشودر، ومهمتهم الخدمة والكنس والأعمال المرذولة، فهم أذل من العبيد، وهم الأغلبية.
لكن الله رد كيدهم آنذاك وكفى المسلمين شر مكرهم؛ بقيادتنا الرشيدة وعلمائنا المناضلين، فكان أن صارت الهند جمهورية محايدة عن أي ديانة، يحكمها الدستور المدني.
والأحزاب السياسية الهندية وإن اتفقت على إقصاء المسلمين من المناصب الحساسة، بل من حقوقهم المشروعة في الوظائف وغيرها، على تفاوت بينهم، إلا أن الحزب الحاكم حالياً، تتبنى أفكاراً متطرفة، وعداء سافراً للمسلمين، وتسعى في تحقيق أهدافها الفائتة، ومن أهمها تحويل الهند إلى دولة هندوسية، وسلب المسلمين حقوقهم ... الخ.
ولتحقيق ذلك شنوا الغارة على المسلمين من عدة نواحٍ: سياسية، وقانونية وغيرها، من خلال أمور، منها:
1⃣ القتل الغوغائي (mob lynching)، بحيث يتجمهر عدد حول شخص ما ويضرب حتى الموت؛ سواء بلا تهمة وهو كثير، أو بتلفيق تهمة بلا دليل (ككونه اشترى لحم بقر أو كونه سارقاً)، ويتم غالباً تسجيل الحدث مرئياً ونشره عبر قنوات التواصل الاجتماعي بغرض إرهاب المسلمين وهزيمتهم نفسياً.
وبعد المحاكمة الصورية يتم تبرئة ساحة الجناة أو الإفراج عنهم ما دامت المحاكمة مستمرة ولم يبت فيها.
2⃣ من خلال سياسة التفريق وزرع الكراهية بين الهندوس والمسلمين؛ ليكسبوا أصوات الأغلبية في الانتخابات من جهة، وليخلقوا بيئة يضيق فيها الخناق على المسلمين.
3⃣ إلغاء المادة/370 وكانت تصب في مصلحة كشمير.
4⃣ إلغاء ملكية المسجد البابري الذي ظل قائماً خمسمائة سنة، حتى تم هدمه ظلماً وعدوانا من قبل طوائف هندوسية متطرفة عام 1992 م، واستمرت المحاكمة حتى فصل فيها لصالح المعبد الهندوسي عبر المحكمة العليا في أكتوبر الماضي.
5⃣ من خلال التعديلات والتدخلات في الدستور الهندي، ليسهل التعديل في جوهره، فمن ذلك أنهم مرروا قانون تجريم المطلّق ثلاثاً بسجنه فوراً لثلاث سنوات، وبالتالي تدمر أسرته، بل وتفسد العلاقة بين عائلتي الزوجين.
🔥 القانون الأسود (CAA): (CAB سابقا)
ومن تلك الخطوات تمريرهم قانون (CAA) القاضي بمنح الجنسية لغير المسلمين بلا مبرر معقول سوى أنهم غير مسلمين، وتم إقناع الجمهور بأن القانون إيجابي في حق أناس، وليس بسلبي في حق المسلمين.
ولكن القانون القادم (NRC) الذي يعتبر مكملاً لقانون (CAA) يقضي بإلزام الشعب الهندي بإثبات جنسيته الهندية من خلال إثباتات قديمة تعود إلى عام 1971م فما قبل، فهنا يتورط المسلمون ويقعون في الفخ؛ فكثير منهم تحت خط الفقر، لا يكادون يملكون حوائجهم اللازمة؛ فأنى لهم مثل هذه الإثباتات القديمة، ولو كان من أبناء البلد القدماء، وبالتالي يُزج بهم في مخيمات اللاجئين، كما حصل لمسلمي بورما (الروهنغيا)؛ ليعيشوا حياة التعاسة والشقاء، أو يرتدوا عن دينهم فيصبحوا هنادك: أمران أحلاهما مر.
ويتوقع أن يصل عدد المحرومين من الجنسية إلى ما بين 20 مليونا إلى 30 مليونا.
أما غير المسلم فيكفيه أن يصرح بأنه هندوسي فيمنح الجنسية مباشرة.
🔥 جور القانون والمظاهرات:
ارتفعت أصوات المعارضة منذ عرض هذا القانون على مجلس النواب، ثم مرر من خلال مجلس الشيوخ بتاريخ 11 ديسمبر الحالي 2019 م.
ولا يخفى أن القانون لا عدل فيه، فإنه وإن كان يقال إنه لا ضرر فيه على أحد إلا أن مثله كمثل مسلم وهندوسي يغرقان، فيغاث الهندوسي ويُسعف، ويترك المسلم ليغرق، لا لشيء سوى أنه مسلم، أين هذا من العدل والمساواة⁉.
ومن هنا اندلعت مظاهرات في شتى أنحاء الهند؛ وفي مقدمتها دلهي والجامعة الملية الإسلامية، ولما جابهتها الشرطة الهندية بعنف أودى بحياة عدد من المتظاهرين، ازدادت الشدة والقوة في هذه المظاهرات.
🔥 مخاوف أخرى يثيرها القانون الأسود
والجدير بالذكر أنه وإن كان أغلب المتظاهرين مسلمين، إلا أنه يقف معهم جنبا إلى جنب السيخ وطوائف من الهندوس، والعلمانيون، والمعارضة السياسية، وكل من يؤمن بالعدل والحرية والمساواة، لقاء المخاوف التي يثيرها القانون:
✅ فالعلمانيون وجميع العقلاء يعارضونه خوفاً من تحول البلاد إلى دولة هندوسية مبنية على دستور ذات مرجعية دينية، بدلاً من الجمهورية،
ولأنه يعارض أصل الدستور المبني على العدل والمساواة.
✅ والسيخ وغيرهم من الأقليات أدركوا أن الدور على المسلمين اليوم ، وغدًا عليهم.
✅ وآخرون يرون أن هذا القانون سيفتح الباب أمام المهاجرين من الدول المجاورة مما يزيد العبء على الدولة، ومما يخشى منه أن يدخل مشبوهون.
✅ والطبقات المنبوذة من الهندوس (شودر)، أدرك بعض أبنائها أنه لو نفذ عليها الديانة الهندوسية بتفاصيلها فإنهم سيرجعون عبيداً بل أرذل من الحيوان، لا حقوق لهم إلا خدمة الطبقات العليا.
وعولجت المشكلة سراً بإغرائهم بأنهم سيرثون أراضي وممتلكات المسلمين الذين يحرمون من الجنسية ويُخرجون إلى مخيمات اللاجئين كما يقال.
✅ وكثير من أهل العقل والعلم يعارض هذا القانون لأنه يُعدّ تدخلا في الدستور الهندي، ويقلل من هيبته، ويفتح المجال لكل من شاء أن يتلاعب بالدستور ويغير فيه ما يشاء.
✅ وبالجملة هناك مخاوف عديدة وحدت الطوائف على رد هذا القانون الجائر، لكن الحزب الحاكم مصرّ عليه لا يريد التراجع.
🌏 مطالبة من دول العالم الإسلامي
يطالب عدد من أبناء الشعب الهندي من العالم الإسلامي التجمع أمام السفارة الهندية في بلده والتنديد بهذا القانون الجائر، الذي يعد أول قانون يتعارض مع أساس الدستور ويمسّ بمكانته ويُبنى على التمييز الديني، كما يخالف العدل والمساواة وجميع المعاني الإنسانية.
🌹 ويرى كاتب هذه السطور أنه يتخذ إجراءات لا يتعارض مع قانون تلك الدولة، ويتبع أنسب الطرق ليتحقق الضغط على الحكومة الحالية، كما يرى أن يخاطب مسئولو الدول الإسلامية الحكومة الهندية، لكي لا تزيد من الأزمات المفتعلة، يكفي ما يحصل في بورما.
💐 ويناشد آخرون دول الخليج التي لها مكانة وصلات جيدة، والتي قامت بتكريم رئيس الجمهورية الهندية (رئيس الحزب الحاكم حالياً: BJP)، كما أنه تم بناء معابد الهندوس على أرض الإمارات، فتوجيه الخطاب من أمثال هؤلاء أولى بالنفع.
🌏 وكل ذلك مما يضاعف المسؤولية على منظمة التعاون الإسلامي وغيره من المنظمات الدولية، والمسارعة لدراسة الموضوع من شتى الجوانب؛ لأن القانون مزين بظاهره ظالم ماكر في باطنه؛ ليسعوا في إخراج المسلمين من هذا المأزق الذي يضيق عليهم أرضهم التي حرروها بدمائهم وأشلائهم، ويتسلط عليها من لم تكن له جهود تذكر لتحريرها، فإما تسحب جنسية المسلمين وإما يرتدوا ويصبحوا غير مسلمين.
✅ فإن قمنا بمسؤوليتنا فبها، وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم؛ فالله ناصر دينه وأوليائه لا محالة كما نصر من قبل حين قالوا: {لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [إبراهيم: 13] {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ: لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ} [إبراهيم: 13، 14]
🌹 اللهم ارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، وقوّ عزائمنا، وتول أمرنا، وثبت أقدامنا، والطف بنا، واهدنا سبل السلام، ووفقنا لما تحب وترضى، واحفظنا من كل شر وسوء في ديننا أو دنيانا، ورد كيد الأعداء في نحورهم، وانصرنا عليهم، لا حول لنا ولا قوة إلا بك، لاإله إلا أنت العلي العظيم القوي القادر، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.