البحث

التفاصيل

ذكرى ميلاد خير البرية بين غلاة الصوفية و جفاة السلفية :

الرابط المختصر :

ذكرى ميلاد خير البرية بين غلاة الصوفية و جفاة السلفية :

الشيخ بشير بن حسن - عضو الاتحاد - 

يتجدد الصّراع الفكري و المنهجي كل عام ، في مثل هذه الأيام  التي تقترب فيها ذكرى ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم،  بين طائفتين ابتلي بهما الإسلام والمسلمون ، وهما طائفة غلاة الصّوفية الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله ، من تخصيص ليلة ويوم المولد النبوي الشريف به من عبادات ما انزل الله بها من سلطان ، كالصلوات و التلاوة و الأذكار والعمرة والذبائح وغيرها .....وهذا كله من البدع والمحدثات بلا شك ، لأن العبادات كلها توقيفية ، لا تثبت بطريق الإجتهاد والاستحسان و الاستحداث،  فالدين بحَمد الله كامل لا نقص فيه كما قال تعالى( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا ) ، وما توفي النبي صلى الله عليه وسلم حتى بيّن لأمته البيان الشافي الكافي ، و أوضح المحجة وأقام الحُجة ، وبلغ البلاغ المبين ،
وباب العبادات باب خطير لا يجوز فتحه بلا دليل شرعي ثابت ، والا ضاع دين الله عز وجل ، و فعلا فإن غلاة المتصوفة لا يعرفون الانضباط في هذا المجال ، و يعتقدون أن مجرد النية الحسنة كاف في إدراك الفضل والخير ، مستدلين على ذلك بحديث( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ... ) متناسين أو متجاهلين الحديث الآخر  ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ ) وهو المكمّل للحديث السابق !! فانتبه واحذر من طريقة الأجتزاء في الاستدلال!! فانها  من أفات العصر في الصفوف الإسلامية. 
وقابل هذه التصرفات ، وهذا الغلو في إحياء ذكرى ميلاد الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام،  طائفة السلفية (بألوانها الثلاثة العلمية و المدخلية و الدواعش) بأن ذلك بدع وضلالات ومحدثات في الدين مطلقا بلا تفصيل ولا استثناء ، وهم كعادتهم يقابلون الخطأ بالخطأ ، والبدعة بالبدعة ، والغلو بالجفاء أو بغلو من نوع آخر  !!
والواجب  أن الخطأ يصحح  بالصواب ، والغلو بالاعتدال ،  لا بالجفاء والافراط  !! 
ولذا قابل شطحات ِ الصوفية نطحات السلفية ، ومع الأسف  ابتلي الدين وأهله بصوفية شاطحة وسلفية ناطحة  ،يخرج علينا السلفيون أدعياء المنهج الحق و أنهم الطائفة المنصورة والفرقة الناجية ، بأن كل ما يتعلق بإحياء ذكرى ميلاد الحبيب عليه الصلاة والسلام،  بدعة وضلالة !! دون أن يعرف كثيرون منهم ولا مشايخهم حدود البدعة لغة واصطلاحا!! ولا 
مجالاتها  !! فتسببوا في ظاهرة خطيرة لا تقل خطورة عن تصرفات المتصوفة وهي ظاهرة الجفاء في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم و سيرته العطرة،  وما لذلك من أهمية بل ارتباط بالعقيدة و السلوك والهوية العربية والإسلامية ، ولذا فها أنا أضع الأمور في نصابها ، و أذكّر بأن يوم ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه جمهور العلماء بأنه يوم 12 من ربيع الأول  ( أعلم جيدا الخلاف في تحديده  لا داعي للتشديد في ذلك ** )  هو يوم عظيم وليس كسائر الأيام ، بدليل أن الله تبارك وتعالى، أحدث فيه إرهاصات عظيمة بمقدمه  ، فهو اليوم الذي أهلك الله فيه أصحاب الفيل على الراجح،  و ميلاد الحبيب المصطفى هو تاريخ جديد في تاريخ الأمة بل البشرية كلها ، و هذا اليوم يدخل في عموم قول الله تعالى( وذكّرهم بأيام الله ) ، كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما كان يصوم الاثنين ويسأل عن سبب ذلك فيقول (ذاك يوم ولدت فيه ) !! ويؤخذ من هذا أنه أراد تخليد ذكرى ميلاده في الأمة ، كما أن الصحابة رضي الله عنهم حينما تشاوروا مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في بداية التأريخ السنوى بعضهم قال نؤرخ بيوم ميلاده ، وقد ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في الفتح!! 
و هذا يدل على رمزية هذا اليوم التي غلا فيها الصوفية وجفا فيها السلفية !! 
و للتذكير أيضا ، فإن ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم صحبته المعجزات العظام التي يجهلها الكثير من المسلمين ، خاصة الأجيال الجديدة!! وإن دراسة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم هي تثبيت للهوية ، و تجديد للانتماء لهذا النبي الأكرم،  وقد أدرك ذلك الصحابة الكرام بعد وفاته عليه أفضل الصلاة والسلام،  ولذا يقول سعد بن أبي وقاص( كنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نعلّم أبناءنا غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم كما نعلمهم السورة من القرآن ) رواه البخاري 
مع أن أبناء الصحابة حديثوا عهد بنبينا  ، وهم أقرب الناس إليه زمانا!! فكيف بزماننا الذي ساد فيه الجهل  وضعف فيه الانتماء ، بل لما سدّ السلفيون الطريق على الصوفية بما يسمونه ويبالغون فيه من قاعدة ( سدّ الذرائع  ) أوقعوا الناس ليس فقط في الجفاء لرسول الله بل أوقعوهم في الاحتفال بأعياد الكفار والمشركين ، لأن الناس لا بد لهم من بديل ، ولذا اذا سد الشرع طريق الحرام فتح طريق الحلال  ، كما قال تعالى( وأحلّ الله البيع وحرّم الربا ) وقال ( يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا  ) وقال (أحلّ لكم صيد البحر متاعا لكم وللسيارة وحرّم عليكم صيد البر ما دمتم حرما  ) الخ ... من الأمثلة على هذا الأصل. 
أقول ذلك خاصة في بلاد الغرب، حيث ابتلي المسلمون بفرض احتفال أبنائهم في المدارس بعيد ميلاد المسيح بن مريم ، وغيرها من المناسبات الدينية النصرانية !! ولذا لا خيار للجالية الا أن تحيي ذكرياتها الإسلامية،  بكل أنواع الفعاليات الثقافية، بنية صالحة ، تتمثل في التعليم والتثقيف ، و تعزيز الانتماء الإسلامي، ولو صحب ذلك فرح و سرور و ابتهاج فلا مانع منه شرعا ، دون تخصيص تلك المناسبات كما أسلفت بعبادة من العبادات .
وللسلفية شبهة اخرى يلوكونها دون فقه ، وهي أن الصحابة رضي الله عنهم لم يحتفلوا بالمولد ، وتركهم لذلك مع وجود المقتضي و انتفاء المانع يدل على أن هذا الفعل بدعة !!
وهذا محض الخطأ ، اولا أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يعلمون أبناءهم سيرة رسول الله مع أن هذا لم يرد في الكتاب والسنة ولا فعلوا ذلك في زمانه ولا اوصاهم النبي به ،
ثانيا  : كم من عمل عمله الصحابة ولم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، واعتبر مصلحة مُرسلة  ؛
 والمصلحة المرسلة هي : " شيء أطلق الشارع حكمه لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ويهدف إلى حفظ مقصد من مقاصد الشريعة "،
 وهذا الأصل موجود عند جمهور العلماء كمصدر من مصادر التشريع الإسلامي، فمثلا جمع المصحف لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقد جمعوه لمصلحة حفظ الدين ،وكذلك تدوين السنة وجمعها لما أمر بذلك عمر بن عبد العزيز الإمام الزهري ، وغيرها من الأمثلة الكثيرة ، و أرى أن الاحتفال بالمولد النبوي والاحتفاء به ، اذا كان في إطار التعليم والتربية و تقوية الإيمان، والمحاضرات والندوات ،وتوزيع الكتب النافعة، وإقامة المسابقات فلا مانع منه بل هو مصلحة مرسلة وليس كما يقول السلفيون بدعة منكرة !! فانتبه للفرق !
ويا ليت مثلا يستغل  اجتماع التونسيين في القيروان ليلة المولد أن في  إلقاء المحاضرات الدينية ، وإنشاد الأناشيد الإسلامية، والحث على التخلق بأخلاق خير البرية ، وإذا وحدت المجاوزات  و المخالفات فكما قلت آنفا  ، لا يصحّح الخطأ بالخطأ ولا الغلو بالجفاء .
وإننا  باذن الله تعالى سنحتفل ونحتفي بميلاد نبينا الكريم في مركزنا يوم السبت مساء ،بإلقاء محاضرة باللغتين العربية والفرنسية، كما ستكون مسابقة للأبناء الصغار الذين يدرسون في المركز و يتم توزيع الجوائز و  الهدايا على الفائزين  ،
 و سنعمل على تعزيز انتمائنا  لسيدنا و أسوتنا  وشفيعنا  ، محمد بن عبد الله  العربي الهاشمي، صلى الله عليه وسلم  ، بعيدا عن تصرفات غلاة الصوفية ، و جفاة السلفية  ، ولا حاجة أن يذكر لي أحد البدع وحدودها فقد كتبت فيها وحاضرت بما يملأ الأسماع والأبصار ، كما أقول للسلفين اشغلوا أنفسكم بالاحتفالات والحفلات التي يقيمها محمد بن سلمان في ما يسمى " بلاد التوحيد " فهذه أولى بالانكار والتشنيع  على منظميها  وحضورها ، 
فنحن قوم بحمد الله تعافينا من التقليد لفقهاء البدو كما سماهم الغزالي رحمة الله  ، الذين يغيرون  فتاويهم  بحسب ما يرضي حكامهم  ، في تلون مقيت ، وإنما  تغيير الفتوى عندنا منشؤه الاجتهاد ومراعاة متغيرات الزمان والمكان التي تضيق صدوركم وعقولكم  بادراكها  مع الأسف.       

والله من وراء القصد.


: الأوسمة



التالي
"العلاج الإسلامي" لـ"الأمراض العلمانية"
السابق
الميراث، ونصيب الإناث

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع