البحث

التفاصيل

تحريــم إيذاء المسلميــن

الرابط المختصر :

تحريــم إيذاء المسلميــن
الشيخ يوسف جمعة سلامة (عضو الاتحاد)

أخرج الإمام الترمذي في سننه عَن ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ، فَقَالَ:( يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلا تُعَيِّرُوهُمْ وَلا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ). قَالَ: وَنَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا إِلَى الْبَيْتِ أَوْ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ وَالْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْكِ (1).

هذا الحديث أخرجه الإمام الترمذي في سننه في كتاب البر والصلة عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، باب ما جاء في تعظيم المؤمن.

من المعلوم أن رسولنا – صلى الله عليه وسلم – لم يترك طريقاً من طُرُق الخير إلا دَلَّّ أمته عليه، ولم يترك سبيلاً من سُبل الشرّ إلا وحَذَّر أمته منها، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وفي هذا الحديث النبوي الشريف يلفت الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم – أنظار المسلمين إلى أمور عظيمة وخصال ذميمة، طالما غَفُلَ كثيرٌ من الناس عنها ولم يفطنوا لها، حيث انتشرت في المجتمع، فَتَسَبَّبَت في نشر الأحقاد والضغائن بين المسلمين، وقطعِ الصلات والأرحام فيما بينهم، ولو أن كل مسلم يردّ عن عِرض أخيه المسلم لم يتكلم أَحَدٌ في أَحَدٍ، ولذهب الحقد والحسد والغلّ وسائر أمراض القلوب في مجتمعاتنا، وانتشر الحب والنصيحة بين المسلمين، كما جاء في الحديث: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:( مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ، رَدَّ اللهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)(2).

طوبى لمن شغلته عيوبه عن عيوب الناس، ويا ويح من يتتبع عورات المسلمين.

القرآن والسنة يحذران من إيذاء المسلمين

إن ديننا الإسلامي الحنيف ينهانا عن إيذاء المسلمين، فقد جاءت الآيات الكريمة في القرآن الكريم تؤكد على ذلك، منها:

– قوله سبحانه وتعالى:{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا}(3).

– وقوله سبحانه وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا}(4).

– وقوله سبحانه وتعالى أيضاً:{وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}(5).

كما حذَّرت السنة النبوية الشريفة من ذلك في مواضع كثيرة، منها:

* عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه- أَن رَسُولَ اللهِ -صَلى الله عَلَيْهِ وَسَلمَ- قَالَ:( أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ، فَقَالَ – صَلى الله عَلَيْهِ وَسَلمَ-: إِن الْمُفْلِسَ مِنْ أُمتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بصَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثم طُرِحَ فِي النارِ)(6).

* عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:(“أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ ” قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:”ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ” قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ:”إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ، فَقَدْ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ، فَقَدْ بَهَتَّهُ“)(7).

* عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ)(8).

حرمة الوقوع في أعراض المسلمين

قرن النبي – صلى الله عليه وسلم – انتهاك عرضَ المسلم والتكلم فيه، واغتيابه، والوقوع في عرضه، قرن ذلك بقتل المسلم وسفك دمه، فقال – صلى الله عليه وسلم – فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ)(9).

وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم –  أتَدْرُونَ مَا أَرْبَى الرِّبَا عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:” إِنَّ أَرْبَى الرِّبَا عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ اسْتِحْلالُ عِرْضِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ“،  ثُمَّ قَرَأَ – صلى الله عليه وسلم -:{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثمًا مُّبِينًا}) (10) .

حرمة دم المسلم

من المعلوم أن ديننا الإسلامي الحنيف قد رسم الخطوط العريضة لسلامة الإنسان وكرامته وعدم الاعتداء عليه وقتله، كما جاء في قوله – صلى الله عليه وسلم –  لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ)  (11)، وقوله – صلى الله عليه وسلم –  ‏لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِم)(12)، وقوله -صلى الله عليه وسلم – أيضاً:( ‏لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ ‏‏لأَكَبَّهُمُ‏ ‏اللَّهُ فِي النَّارِ)(13).

ومن الأمور المؤسفة في هذه الأيام أن كرامة الإنسان قدْ ديست، وأن الاعتداء على حياته أصبح سهلاً وهيناً، وهذا كله يخالف تعاليم الإسلام التي تنص على الحلم والعفو والصبر وحرمة دم المسلم، فنسمع عن حوادث القتل بين المسلمين، حيث يُقتل الرجال، ويُيتم الأطفال، وتُرمل النساء، وتُخرب البيوت، وتُصاب الأمة بحالة من الذعر.

بِمَ يُجيب القاتل يوم يأخذ المقتول بتلابيبه بين يدي رب العالمين؟! يقول: يا رب سَلْ هذا لِمَ قتلني؟ ويتَّم أطفالي؟ وخرَّب بيتي؟ وهدم سعادتي؟ وأدخل الحزن على أهلي؟.

المسلمون…والهجـوم الإرهـابي في نيـوزيلنـدا

تابعنا وتابع العالم كله الهجوم الإرهابي الذي استهدف مسجدين في مدينة “كرايست تشيرش” بنيوزيلندا قبل ثلاثة أسابيع أثناء صلاة الجمعة، مما أسفر عن استشهاد نحو خمسين مسلماً وإصابة العشرات بينهم العديد من الأطفال والنساء، في مذبحة مروعة اهتزت لها قلوب المسلمين وكل ذوي الضمائر الحيَّة في العالم؛ لما فيها من سفك للأرواح البريئة وهي تؤدي صلاة الجمعة وتقف بين يدي الله سبحانه وتعالى.

إننا نترحم على أرواح شهداء جريمة الإرهاب في نيوزيلندا والتي راح ضحيتها العشرات من الشهداء والجرحى، وكان من بينهم عدد من أبناء شعبنا الفلسطيني.

ومن المعلوم أن هذه الجريمة البشعة – التي ارتُكبت ضد المسلمين المصلين الآمنين بين يدي الله سبحانه وتعالى-  تتنافى مع الشرائع السماوية والقوانين الدولية الكفيلة بحرية العبادة، والتي تنص على حرمة المساجد وحرمة الدماء وعدم المساس بها.

إن هذه الجريمة النكراء تُشكل أحد أبشع صور الإرهاب في العصر الحديث، كما تُشكل مؤشراً خطيراً على النتائج الوخيمة التي ستترتب على تصاعد خطاب الكراهية ضد المسلمين في الغرب .

إننا نطالب بضرورة سنّ القوانين التي تحمي المسلمين في الغرب وَتُحرم الإساءة لدينهم وعقيدتهم، وتكون رادعة لكل المعتدين، كما نطالب الحكومات الغربية بضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة وقانونية، ومحاسبة كل من يقوم بهذه الأعمال الإجرامية، وندعو جميع المؤسسات الإسلامية وأحرار العالم والمجتمع الدولي إلى الوقوف جنباً إلى جنب للتصدي لهذه الجريمة النكراء التي تمسّ جميع المسلمين في العالم، وتهدف إلى بثّ الفتن والضغائن بين الشعوب، علمًا بأن المسلمين لم يُسيئوا إلى أَحَدٍ من غير المسلمين عبر تاريخهم المشرق، ورحم الله القائل:

مَلَكْنَا فكانَ العفوُ منَّا سجيّةً            

فَلَمَّا مَلَكْتُم سالَ بالدّمِ أَبْطـُحُ

فَحَسْبُكُم هذا التفرُّقُ بينَنَا              

وكلُّ إناءٍ بالذي فيه يَنْضَـحُ

نسأل الله العلي القدير أن يحمي المسلمين في العالم من ظلم الظالمين وكيد الكائدين.

وصلى الله على سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم –  وعلى آله وصحبه أجمعين.

الهوامش:

أخرجه الترمذي.
أخرجه الترمذي.
سورة الأحزاب الآية (58).
4- سورة الأحزاب الآية (69).

5- سورة البقرة الآية (188).

6- أخرجه مسلم.

7- أخرجه مسلم.

8- أخرجه مسلم.

9- أخرجه البخاري.

10- أخرجه أبو يعلى.

11- أخرجه البخاري.

12- أخرجه الترمذي.

13- أخرجه الترمذي.


: الأوسمة



التالي
الشّيء الّذي وقر في قلب أبي بكرٍ رضي الله عنه!

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع