البحث

التفاصيل

الخطبة التي أزعجتهم!

الرابط المختصر :

الخطبة التي أزعجتهم!

 

الباحث الفلسطيني : عزيز العصا

المنسق الثقافي للهيئة الإسلامية العليا.

 

 

اقتحم جنود الاحتلال فجر يوم الإثنين بتاريخ 26 آب (أغسطس) من هذا العام (2019م) منزل سماحة الشيخ الدكتور عكرمة صبري، وسلموه بلاغًا بالحضور للتحقيق لدى المخابرات "قسم 4" في مركز تحقيق "المسكوبية"، عند الساعة 12 ظهر نفس اليوم.

هذه ليست المرة الأولى التي يستدعى فيها الشيخ عكرمة؛ فمنذ أن ترأس الهيئة الإسلامية العليا بالقدس، وذلك قبل عشرين عامًا ونيّف -وما قبل ذلك أيضًا- فهناك قائمة طويلة من الاستدعاءات والتحقيقات والمنع من السفر لفترات مختلفة. وأما الأسباب التي يسوقها الاحتلال فهي ادعاءات بالتحريض والإخلال بالأمن العام، ووفق مبررات ما أنزل الله بها من سلطان!

أما الاستدعاء قيد النقاش، فبدا وكأنه أكثر وضوحًا، ويكشف عن استراتيجية الاحتلال في التعامل مع القدس والمقدسيين، فقد تبيّن أنه جاء على خلفيّة آخر خطبة ألقاها الشيخ عكرمة في غرة ذي الحجة من العام 1440هـ (وفق 02/08/2019م) على منبر المسجد الأقصى المبارك. ومن أبرز ما جاء في هذه الخطبة التي استنبطها الشيخ عكرمة من خطبة الوداع التي ألقاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام العاشر للهجرة()، أنها تعالج قضايا المجتمع المقدسي وفق الشريعة الإسلامية بالاستناد إلى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ومما جاء فيها:

نشاهد الغطرسة والتجبر والتكبر والتحقير والاستبداد والاستعباد من الدول الكبرى ضد الشعوب المستعمرة والمستضعفة؛ كما نشاهد أمريكا في هذه الأيام التي تفرض الحلول الاستسلامية على العرب والمسلمين.

وجوب المحافظة على الدماء والأموال والأعراض، وتحريم الخصومات والاقتتال بين المسلمين، وتحريم سفك الدماء وغصب الأموال وسرقتها، سواء أكانت أموالًا عامة أم أموالًا خاصة.

تحريم الأخذ بالثأر وفورة الدم()؛ لأن الدولة –أي دولة- في العالم ملزمة بالحفاظ على النظام العام وحماية أرواح المواطنين، وهي الملزمة أيضًا بإقامة عقوبة القصاص على القاتل العمد.

وأما بشأن الأسرة، والعلاقة بين الأزواج، فقد استدل الشيخ عكرمة بقوله صلى الله عليه وسلّم في خطبة الوداع: فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله". مما يعني وجوب العناية بالنساء ووجوب المحافظة على حقوقهن. وخاطب الشيخ عكرمة الزوجات مطالبًا إياهنّ أن يحسنّ معاشرة الأزواج، ويحرم ثم يحرم اللجوء إلى الشرطة ضد الأزواج؛ فإن ذلك يؤدي إلى هدم الأسرة وتشتيت الأولاد. في الوقت نفسه فإنه يرفض استخدام العنف والقسوة بحق الزوجات والأطفال من قبل الأزواج والآباء.

وجّه الشيخ عكرمة تحية احترام وتقدير لأهالي العيسوية بالقدس وأهالي العراقيب بالنقب لثباتهم وتمسكهم بأراضيهم وبيوتهم، وبحقوقهم المشروعة، ولرفضهم الظلم والممارسات الاحتلالية من القتل والاعتقال وهدم المنازل؛ بهدف تركيعهم وترحيلهم، فلن يركعوا ولن يرحلوا.

وفي الشأن السياسي والحلول المطروحة بحق فلسطين، فقد وصفها الشيخ عكرمة بالاستسلامية، وملخصها حكم ذاتي للفلسطينيين، أي لا دولة في فلسطين. وهذا من إفرازات "صفقة القرن" بل صفقة العار، وهو أمر متوقع من أمريكا التي تفرض وصايتها وهيمنتها على الأنظمة العربية والإسلامية. وشبّه واقعنا الحالي بما حصل في حروب الفرنجة الصليبيين من مخاضات وتنازلات وخلافات وقتئذ، إلى أن حسم الأمر نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبيّ؛ بتحرير بيت المقدس وإعادة الأمور إلى نصابها.

وأما بشأن المسجد الأقصى المبارك، فقد أشار الشيخ عكرمة إلى أنه لا يزال يتعرض إلى المخاطر من الاقتحامات اليومية، ومن الحفريات أسفله؛ مما يعرض بنيانه إلى التشقق وإلى الانهيارات. واستنكر ادعاءات اليهود المتطرفين التي لا تقوم على دليل، بل تستند إلى روايات زائفة ومزورة. علمًا بأن حقنا في الأقصى وفي القدس وفلسطين هو حق إلهي ثابت، وغير خاضع للمفاوضات ولا للمناقشات، ولا تنازل عن هذا الحق مهما زور المزورون ومهما غطرس المحتلون.        

هذه ليست الخطبة الأولى للشيخ عكرمة على منبر المسجد الأقصى المبارك، وإنما تحمل الرقم (719)، وجميع خطبه لم تعجب الاحتلال ولم ترق له. ولعل ما أزعج الاحتلال ما في هذه الخطب من طيف واسع من القضايا المجتمعية والسياسية والعقدية. وليس من نافلة القول بأن جوهر الخطبة قد تمحور حول تحريم الدكتور عكرمة للمارسات والسلوكيات التي تشتت المجتمع وتمزقه، وتفرق بين المرء وزوجه وتشرد الأبناء في الأزقة والحارات. لقد استدعي الشيخ عكرمة إثر ذلك للتحقيق، فماذا دار في هذا التحقيق؟

لم يكن التحقيق مع الشيخ عكرمة حول الشأن السياسي ولا العقدي، بل تركز على "تحريم توجه الزوجات إلى محاكم الاحتلال وشرطته"، فكان رد الشيخ حازمًا كحزم الخطبة نفسها؛ وهو أن الدين الإسلامي قد عالج قضايا المرأة والطفل والأسرة خير علاج، وأن المجتمع المقدسي ينتهج العديد من الآليات والأساليب التي يقوم بها عقلاء القوم وقادة المجتمع المقدسي؛ لمعالجة القضايا المجتمعية وفقًا للشريعة الإسلامية واللوائح والأعراف المجتمعية، بما يحافظ على الأسرة ويُبقي على الأطفال في كنف أبوين متفقيْن متحابّيْن. وأما التوجه إلى الشرطة فيشعل نيران العداوة والبغضاء بين الزوجين وبين عائلتيهما، مما يؤدي إلى طلاق الزوج لزوجته، وهذا يهدد وحدة المجتمع، ويجعل الأبناء في مهب رياح الفرقة والتشرذم والنزاع والخصام.

وفي الختام، فإن الشيخ الدكتور عكرمة صبري كان ولا يزال حريصًا كل الحرص على سلامة الأسرة والحفاظ على الأولاد.

فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 30 آب، 2019م


: الأوسمة



التالي
الهجمة على الرموز والمقدسات وسبل المواجهة
السابق
لا دين .. حيث لا حرية

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع