البحث

التفاصيل

أطفال الأنابيب السياسية

الرابط المختصر :

أطفال الأنابيب السياسية

أ.د. إبراهيم أبو محمد (عضو مجلس الأمناء – مفتي استراليا)

تعود الكبار أن يتركوا الأطفال يلعبون ويلهون، لكنهم يراقبونهم عن قرب وعن بعد، فإذا اقترب الطفل من خطر يهدد حياته أو يهدد حياة الآخرين؛ تدخل الكبار لردعه وإبعاده عن مركز الخطر وموقعه، وربما ضربوه على أصابعه ليحدث ارتباط شرطي في نفسية الطفل وذاكرته بين موقع الخطر وبين الألم؛ حتى لا يكررها.

•              هذه سياسة الكبار مع الصغار في عالم الطفولة البريئة، لكن في عالم الطفولة السياسية يختلف الأمر، فأطفال الأنابيب السياسية (وهم الذين دخلوا عالم السياسة بالصدفة البحتة، أو بغلبة القوة الخشنة دون دراسة وتأهيل) يمكن للكبار أن يدفعوهم إلى مناطق الخطر ليتورطوا فيه، ويمكن أن يخلقوا لهم عدوًّا موهومًا يجعلهم يدفعون ثروات شعوبهم من أجل الحصول على السلاح ووسائل الحماية والدفاع عن النفس، ويمكن للكبار أن يبيعوهم وسائل القتل والتدمير ليعبثوا بها، بينما يجرب الكبار الأجيال الجديدة من السلاح، ويتخلصون في الوقت ذاته من الأسلحة القديمة، وتظل دورة رأس المال تدور، فمصانع السلاح تعمل وتنتج وتطور أجيالًا جديدة، بينما أطفال الأنابيب عندنا يعبثون بتلك الأسلحة؛ فيقتلون بها غيرهم، أو يقتلون بها شعوبهم، وفي الحالتين مسموح بالعبث ولو كان قتلًا وتدميرًا، ولكن:

•              ولكن داخل وطنك أنت.

•              وبين أهلك أنت.

•              مزق حدود وطنك كما شئت.

•              واهتك نسيج شعبك كما شئت.

•              وقطِّع لحمة أمتك كما شئت.

•              ومزق حدود بلدك كما شئت

•              واستدع من شئت ليحتل شعبك بحجة الحماية والدفاع.

•              والكبار يدونون لكم، ويسجلون عليكم، ويجمعون من الأدلة ما يستطيعون بها إخضاعكم وإذلالكم حتى النخاع، وفي كل الحالات ستحتاجون إليهم لينقذوكم، وتدفعوا.

•              في الجانب الآخر فإن حجم تجاوزات هذه الزعامات تجاه شعوبها يفقدها شرعية بقائها، ويتركها لتكون بغير سند أو ظهير شعبي؛ لأن رصيدها عند الشعوب قد سقط وتهاوى منذ زمن.

•              مأزق زعامات أطفال الأنابيب السياسية سيكون محرجًّا جدًّا في المستقبل القريب؛ فالدوائر الحقوقية ومعها بعض الدوائر الحساسة ضاقت بالتصرفات العبثية لأطفال الأنابيب السياسية، حتى وإن مارست العبث داخل أوطانها وضد شعوبها؛ لأن هذه الدوائر أضحت تتعرض الآن في بلادها لضغوط شعبية وبرلمانية وحقوقية، توشك أن تتهمها بالتواطؤ والسكوت على هذا العبث الذي يعرض حياة البشر للخطر، ويهدد بطوفان شعبي غاضب يأكل الأخضر واليابس، ويعرض مصالح الغرب نفسه لمصير مؤلم، بوصفه شريكًا في هذ العبث، ولو بالسكوت.

•              نعرف أن المال السياسي يمكن أن يسكت بعض المؤسسات إلى حين، لكن تلك المؤسسات تحرص على سمعتها لتظل نظيفة، وتحرص على مصداقيتها أمام شعوب الغرب خاصة، وبمجرد رفع الغطاء عن هذا العبث ستتخلى فورًا، وتعلن في بيانات رسمية براءتها من هذا العبث، وقطع علاقتها بتلك الدول المشبوهة بتهم الإجرام والمجازر.ومصيبة أطفال الأنابيب السياسية في عالمنا العربي ليس الجهل فقط، وإنما يضاف إليه الطموح المسعور الذي يجعلهم يكرهون إلي حد العداء - كل ما هو إسلامي حقيقة أو حكما - لأنه يحول بينهم وبين ما يشتهون، ويقيد شهواتهم المهتاجة في الطغيان والدكتاتورية والاستبداد بالشعوب،  ثم إن الإسلام يعتبر الحاكم أجيرا عند شعبه ، بينما نظرتهم هم لشعوبهم تصل إلي مستوي من الدونية ينحط بالشعوب لما هو أبعد من العبودية والرق ، وطبيعي أن تنسحب كراهيتهم للإسلام على كل داعية صادق وأمين ، ومن ثم تكون وسيلة القرب منهم والتودد إليهم هي مهاجمة هؤلاء الدعاة والرموز، واعتبارهم العقبة الكؤود في سبيل تنفيذ المخطط ، ومن ثم ينشط كل هلفوت في مهاجمة هؤلاء تقربا لسيده ، وهذه المنطقة - أقصد بها منطقة الهجوم على الإسلام ورموزه منطقة مأمونة العواقب – بل هي المدخل لإثبات الوطنية و الولاء للحاكم في بعض البلاد.

 

•                وفي هذا الجو الملوث بجراثيم القهر والطغيان لا يغيب الناصح الأمين فقط، بل يصبح موضع السخرية والاتهام ويعتقل ويسجن إن كان في الداخل، ويطارد ويتربص به إن كان خارج البلاد!!! ولا يبقي بجوار - فخامته أو سموه أو معاليه - إلا الطبالون والزمارون وأهل  الخداع والنفاق، الذين يأكلون على كل مائدة، ويرقصون في كل فرح،  وينوحون في كل مأتم، وهؤلاء يدغدغون طموح أطفال الأنابيب السياسية والذين هم مشروع محتمل لفرعون جديد، فيسوغون أطماعهم، وينفخون فيهم بأنهم أصحاب مشروع حداثي نهضوي، وأنهم هبة الزمان وهدية التاريخ وفرصة العمر للمنطقة ولشعوبهم، وأن مشروعهم لن ينجح إلا بالخلاص من المعوقات وفي مقدمتها الانسلاخ من جلد أمتهم والخروج حتى على ثوابتها وتراثها، وأن هذا هو المدخل الصحيح للتطور، كما أنه المسوغ المقبول لدى السادة الكبار لِيُدْخِلوا في ناديهم هؤلاء الصغار. ومن ثم فهم وسط هذا الوهم المريح والخداع الكاذب يصدقون أنفسهم ويعيشون الحالة. .

 

•              هذه البيئة يغيب فيها الصواب ويحل الهوى مكان العقل، والترجيح دائمًا لصالح الأطماع والطموحات المصابة بشبق السلطة، وجنون الرغبة في الكرسي الكبير، ومن ثم فلا مكان ولا مجال للناصح الأمين.

 

•              الناصح الأمين هنا قد يكون عالمً دينًّ رصينً، وقد يكون خبيرًا في العلوم السياسية.

 

•              فإن كان «عالمًا إسلاميًّا فلا مكان له؛ لأنه في نظر الزعيم والجوقة من غلمان بني علمان حوله «مجرد مطوع» معزول عن الدنيا، يعيش وسط خرافات التاريخ، ثقيل الظل، غليظ القول، خبير بعذاب القبر، ويعمل مندوبًا للنار. هكذا تنظر وتصور جوقة العلمانيين عالم الإسلام الرمز، والرأس، والمرجعية.

 

•              وإن كان سياسيًّا محنكًا وخبيرًا ببواطن الأمور في عالم العلاقات الدولية والاستراتيجيات، فإنه هو أيضًا في نظر الزعيم وشلته أسير لأفكار ونظريات قديمة عفا عليها الزمن، وتجاوزتها متغيرات الواقع الجديد.

 

•              ومن ثم فلا مكان إلا لمن يعانق، أو يوافق، أو ينافق.

 

•              أطفال الأنابيب السياسية تتجمع فيهم السوءتان: الجهل المغلف، والطمع المحمول بقوة المال لا بقوة العلم والفكر والثقافة، وهم لا خبرة لديهم بتفكير الكبار، وخططهم، واستراتيجياتهم.

 

•              وعندما يفتح لهم الكبار أبوابهم ليستقبلوهم ويجالسوهم يظن الغر أنه على قدم المساواة مع الكبار، ولا يدري أن الكبير يسخرهم لخدمته، وربما يكلفهم ببعض الأعمال التي لا تتناسب مع الكبير ودولته، فيدفع هذا الغر ليفعلها فيحمل وزر العار والملامة إذا افتضح الأمر وعرفت به الدول الأخرى.

 

•              الكبار ومعهم جوقة الطبالين يخدعون أطفال الأنابيب السياسية بطموحات وأطماع تخرج عن طاقتهم وطاقة بلادهم وشعوبهم، ولا مانع لديهم من أن يتمدد الصغار فيسمح لهم الكبار بشراء بعض الأشخاص، وبعض الذمم، وبعض المؤسسات داخل مجتمعات الغرب نفسه، لتجري عملية الصيد بدقة وإحكام، ثم يكشف النقاب عن هذا الفعل المشين ليدفع أطفال الأنابيب تكلفة السكوت أو الإفلات من العقاب والمؤاخذة.

 

•              في عالم السياسة دائمًا يختفي الصدق ويحل محله الكذب، وتختفي الصداقات لتحل محلها المصالح، وتختفي البراءة وحسن النية ليحل محلها الخبث واللؤم المنمق، والابتسامات المصنوعة، والسلامات المتكلفة، والعناق الذي يشبه لقاء بائعات الهوى بزبائن الإغراء والإغواء.

 

•              الحكمة تؤكد أن حجم الطموح يجب أن يتناسب مع حجم الطاقة والقدرة على الفعل والإنجاز، والقوة المستكنة في العمق الحضاري للوطن والمواطن، وعندما تخرج التمنيات عن طاقة الإنسان وقدراته، فالنتيجة ستكون ضياع الممكن في طلب المستحيل.

 

•              وهناك دول مهما كانت ثروتها في باطن الأرض، أو في خزائن القبائل التي يحكمونها لا يمكن أن يسمح لها أن تصل إلى مصاف الدول الكبرى، مهما تمددت طموحاتها وبعثرت من أموال، واستأجرت من مرتزقة.

 

•              ما نطرحه هنا ليس دعوة للإحباط واليأس وقتل الطموحات، ما نطرحه هنا هو رصد دقيق لواقع القدرات والطاقات، حيث الإمكانيات الحضارية والعلمية والسكانية ليست متوفرة، حتى لو فاض المال وطفح، ومن ثم فالأولى لهؤلاء أن يخدموا شعوبهم، وأن يركزوا في تطور تعليمها وإنتاجها، وأن يكفوا عن مد أرجلهم وأذرعهم في دول أخرى، فالآخرون لن يتركوهم وإنما سيقطعون أرجلهم وأذرعهم، وسيحرقون أصابعهم ويكسرون عظامهم، قبل التقطيع والدهس، فتعقلوا يا قوم، ولوذوا بشعوبكم وأمتكم، ولا تلقوا بأنفسكم وبالمساكين والغلابة من أوطانكم في تهلكة الكبار وصراعاتهم وإلا............

المفتي العام للقارة الأسترالية


: الأوسمة



التالي
اعتقال الداعية المقبل بعد انتقاده هيئة الترفيه
السابق
الإسلام.. والصحة النفسية

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع